[الكلام في مسألة الأرزاق]
  لأنا نعلم جميعاً أن خلقهم وإحيائهم أبلغ من أرزاقهم في باب التمكين من المعصية، فلو ساغ نفي رزقهم عن الله - تعالى - لهذا الدليل؛ لساغ نفي خلقهم عن الله - تعالى - ومعلوم أن ذلك خروج من الدين وانسلاخ عن الملة.
[الأدلة من كتاب الله على أن الرزق من الله تعالى]
  فإن قيل: إن الله تعالى خلقهم للطاعة.
  قيل: وكذلك إنه تعالى رزقهم ليشكروه؛ فمن لم يشكره كفر، سيما وقد قال تعالى مخاطباً للمشركين خاصة، ولا معصية أعظم من الشرك بالله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ٤٠}[الروم]، وقال تعالى في الكفار خاصة: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ إِنْ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ٢٠ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ٢١}[الملك]، فنعوذ بالله من الغرور والثبور، والعتو والنفور، وقال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ٥٦}[النحل]، فصرح بأنه رزقهم ما يجعلون فيه لغيره نصيباً، وقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٢٢}[البقرة: ٢٢]، فهذه في الكفار خاصة، وقال تعالى في الكفار خاصة: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٨}[البقرة]، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٩}[البقرة]، فهذا تصريح بأنه خلق لهم جميع ما في الأرض، فهو حينئذٍ يأتي على الخلاف من أصله، ويهدمه من قواعده، وقال تعالى للناس كافة:
  {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ٣}[فاطر]،