[الدليل على أن الله لا يفعل القبيح]
  أنّا إذا أحضرنا بعقولنا الفعل على هذا الوجه، ولم نحصر الفاعل علمناه قبيحاً؛ بل وقوعه على ذلك الوجه من الباري - تعالى عن ذلك - أدخل في باب القبح؛ لأنه أعلم العلماء، وأحكم الحكماء، وأغنى الأغنياء، وله الصفات العُلا، فإذا وقع منه - تعالى عن ذلك - كان قبيحاً على أبلغ الوجوه.
[الدليل على أن الله لا يفعل القبيح]
  وأما دلالة الأصل الثاني؛ وهو أن الله لا يفعل القبيح: فلأنه عالم بقبحه، وغني عن فعله، وعالم بأنه غني عنه، ومن كان بهذه الأوصاف فهو لا يفعل القبيح.
  أما علمه بقبحه: فلما تقدم من أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، وقبح القبائح من جملة المعلومات لولا ذلك لما صح علمنا به.
  وأما أنه غني عن فعله: فلما تقدم من الدلالة على أنه غني، وذلك يقتضي الغنى عن الحسن والقبيح.
  وأما أنه عالم باستغنائه عنه: فلأنَّ أجَلَّ المعلومات ذاته، وما هو عليه سبحانه من الصفات فيجب أن يعلم هذه الحال بنفسه التي هي أجل المعلومات لما تقدم من أنه عالم بجميع المعلومات.
  وأما أن من كان بهذه الأوصاف فهو لا يفعل القبيح: فذلك ظاهر؛ لأنه لا يحمل فاعل القبيح على فعله - عند كل عاقل - إلا جهله بقبحه، أو حاجته إلى فعله، أو جهله بأنه غني عنه، وقد ثبت أن هذه الوجوه مستحيلة على الباريء - تعالى - فثبت أنه تعالى لا يفعل القبيح.
  ويدخل تحت جملة هذا اللفظ الظلم والسفه والعبث والكذب، وجميع أنواع القبائح المعلومة بالعقل والسمع، فلا وجه لإفراد كل واحد منها بالذكر، فإذا ثبت أنه تعالى لا يفعل شيئاً من القبائح، وقامت الدلالة بأن شيئاً من المحدثات لا فاعل له سواه، كأن يكون جسماً أو عرضاً ضرورياً، إذ لا فاعل للأجسام والأعراض الضرورية إلا الله - تعالى - لخروجهما عن مقدور العباد؛ قضينا بأن ذلك الفعل حسن إذ لا واسطة بين الحسن