شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر بعض الأمور التي يقع فيها الحسد]

صفحة 314 - الجزء 1

  وأردفه بذكر القمر وما فيه من النور الذي يدفع به مضرة الظلمات، ويُقَدَّر به أدلة الأوقات، وما فيه من الدلائل الباهرات.

  ثم ذكر منّته بالليل وما فيه من السكون عن الحركات، ونزول البركات، وراحة الأجسام، مما يورث السآمة والملال، وجعله نفعاً لكثير مما خلق من البهائم والهوام، تطلب فيه أقواتها المعلومات، وتجول لأرزاقها المقسومات.

  ثم ذكر النهار لما يتعلق به من نفع العباد، وشؤونهم في البلاد، لما أمدهم به من المعاش، ورزقهم من الرياش، وهذه؛ بحمد الله، أنوار لا تطفأ، وبراهين لا تخفى، ولولا خيفة التطويل لذكرنا من آيات الكتاب الظاهرة، وحججه الباهرة، ما يكثر عن التعداد، ويضطر منكره إلى الرجوع إلى الحق أو الإعتراف بالإلحاد.

  وإذ قد انتهينا إلى هذا فلنذكر ما كنا بصدده من تفسير البيت، وقد ذكر فيه النهي عن الحسد، ولا شك في قبحه، فيجب الإنتهاء عنه.

[ذكر بعض الأمور التي يقع فيها الحسد]

  وقد ذكر الأمور التي يقع فيها الحسد:

  فمنها الرزق: ومعنى ذلك أن الله - تعالى - إذا وسَّع على عبد من عبيده لوجه من وجوه الحكمة التي لا يجوز لأحد عليها تَحَكُّمٌ ولا إختيار، لم يحسن من أحد حسده، ولا تمني زواله؛ لأن الله لا يفعل إلا الحكمة؛ ولأن الدنيا عنده دار بلوى لكافة المتعبدين بالخير والشر، والله بوجوه المصالح أعلم، فإن علم لأحدنا صلاحاً في توسعة الرزق وسَّعه، وإن علم الصلاح في التضييق فهو غير متهم.

  وإن رأينا أحداً يواظب على معاصي الله - تعالى - ونعمه عليه تترى، علمنا أن ذلك لإبلاغ الحجة عليه، ولله الحجة البالغة، ولا يكون إلا بذلك، وما شاكله، ولا نفزع إلى أحد جهلين؛ أحدهما: أن يعتقد أن الله - تعالى - لم يقصده بتلك الأرزاق؛ لأنه لو لم يقصده بها لم تكن نعمة، ومن نفى نعم الله على الكافرين أسقط عنهم فريضة الشكر، ومن أسقط فريضة الشكر عن أحد من المتعبدين كفر؛ لأنه خالف صريح القرآن في قوله: