[الكلام في مسألة الأرزاق]
  وقال سبحانه آمراً لنبيئه ÷ بالمجادلة للمشركين والإحتجاج عليهم بما لا يجدون إلى دفعه سبيلاً، فقال عز من قائل: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ ٣٢}[يونس]، وإنما أقروا إضطراراً لا إختياراً لأنهم يعلمون أنهم لا يقدرون على إنزال المطر، وفلق الحب والنوى، وإخراج الثمار، وإحداث الأشجار، وقلب أحجار المعادن مالاً، وإيجاد العين(١) إبتداءً، وأنه لا يقدر على ذلك إلا الله - سبحانه - فحينئذٍ لزمتهم الحجة وتعين عليهم الشكر، وقال سبحانه مخاطباً للمشركين أيضاً: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[الإسراء: ٣١]، فصرح تعالى بأنه رازق للمشركين وأولادهم، وحكى سبحانه قول إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[البقرة: ١٢٦]، قال تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ١٢٦}[البقرة]، والحجج من كتاب الله - تعالى - وكلام نبيئه ÷ وأقوال الأئمة $ لا تنحصر لنا كثرة، وقد ذكرنا بحمد الله ما فيه كفاية لمن أنصف نفسه، وطلب رشده.
[الدليل العقلي والشرعي على أن الرزق من الله تعالى]
  ومن دلالة العقل وأحكام الشرع: أن هذه الأرزاق أجسام ولا فاعل للأجسام إلا الله - تعالى - كما قدمنا.
  ولأنهم يأخذونها بحكم الله - تعالى - ولهذا يحكم لهم بها كما أمر الله - سبحانه -.
(١) المراد به هنا الذهب، وإلا فهو لفظة مشتركة بين معان كثيرة، ويمكن أيضاً أن يحمل عليها؛ فمنها: العين الباصرة، وذات الشيء، والماء النابع، وغيرها.