[الكلام في مسألة الأرزاق]
  مرتباً في غاية الإحكام، ومعلوم أن العلة عند من أثبتها غير حية ولا قادرة، ولا حكيمة ولا عالمة، وكيف يخفى ما ذكرنا على عاقل متأمل؟ أنظر إلى بنية الجنين في القرار المكين وما فيه من التفصيل والتوصيل، والمخارق لمداخل الأغذية، ومخارج الفضلات المؤذية، وحصول ذلك شيئاً بعد شيءٍ كما نبه على ذلك سبحانه بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}[المؤمنون]، ثم علم ضعفه عند خروجه، فسوى له في صدر أمه غذاءً يلائمه، لا يؤذيه تناوله، وألهمه له عند خروجه أبتداءً منه برحمته، وأغناه به حتى يقدر على تناول ما سواه من أنواع رحمته، هل عقل سليم يضيف هذا إلى علة موجبة وينفيه عن صانع، مختار، عالم، حكيم لا يمتنع عن قدرته مراده سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً؟ وأنبأ أنهم أثبتوه لغير برهان وإنما عوَّلوا فيه على مجرد الوجدان، وكفى بالمذهب فساداً أن لا يقوم على صحته دليل.
[مناقشة حسنة في إبطال قول أهل الطبع في أن العالم يحيل بعضه بعضاً]
  لأنا نقول لهم: مامعنى قولكم في العالم إنه يحيل بعضه بعضاً؟ تريدون أنه يفعل بعضه بعضاً، فقد صح أن الفعل لا يصح إلا من حي قادر، وما أضفتم إليه الفعل من الطبائع غير حية ولا قادرة.
  وقولكم في الحاصل منها: إنه يحصل بالطبع، لا يرجع إلى أمر معقول، ونفي ما لا يعقل أولى من إثباته؛ لأنا نقول: أعلمونا بالطبع ما هو؟ والإحالة إن رجعتم إليها هل شيء أم غير شيءٍ؟.
  فإن قلتم: غير شيءٍ.
  فإضافة الأفعال المتقنة إلى غير شيءٍ تأباها العقول السليمة.
  وإن قلتم: هي شيءٍ.
  قلنا: فما ذلك الشيء موجود أو معدوم؟.