شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(مسألة الإمتحان)

صفحة 182 - الجزء 1

[بيان أن الألم لا يحسن إذا تعرى عن العوض]

  فإن قيل: فلم لا يحسن هذا الألم وإن تعرى عن العوض لوقوعه من الحكيم - سبحانه - لرفع ضرر عنا أعظم منه لولاه لرفع⁣(⁣١)؟.

  قلنا: ذلك لا يجوز؛ لأن ما به ضرر إلا والله - تعالى - يقدر على صرفه عنا - بدون الألم - فلو لم يكن في مقابلة ذلك نفع يوفى إليه، واعتبار منا أو من غيرنا بحسنه لكان ظلماً قبيحاً، وقد ثبت أن الله - تعالى - لا يفعل القبيح بما تقدم من الأدلة في باب العدل، ولا يحسن لمجرد الإعتبار لأنه تعالى لا يفعل الفعل إلا على أبلغ الوجوه كما فعل في الجبل في شأن بني إسرائيل فصعقوا عن آخرهم حتى استقال موسى، فلا يحسن الألم كما ثبت لك إلا لمجموع الأمرين.

[بيان أن الأجر على قدر المشقة لا على قدر القلة والكثرة]

  فإن قيل: أكثر ما يعتمد المخالفون في نفي الألم عن الله - تعالى - أن الألم يقطع بالعبد عن الطاعات، والأعمال الصالحات، فزيدونا فيه تبياناً على ما تقدم.

  قلنا: إن الطاعة - في اللغة والشرع الشريف - فعل ما أمر المطاع بفعله، وترك ما أمر بتركه؛ لأجل أمره بفعله أو تركه، لا يعلم عند أهل العلم لها حقيقة غير ذلك؛ بل لا يوجد على غيره برهان، ولا شك في أن المريض متمكن من فعل ما أمره الله - سبحانه - به؛ لأنه لم يكلفه في حال مرضه ولا صحته؛ ما لا يدخل تحت مقدوره، وذلك لغناه سبحانه وحكمته، ورأفته ورحمته، والأجر على قدر المشقة، لا على قدر القلة والكثرة، فإذا أدى ما أوجبه الله عليه كان له الأجر كاملاً وإن نقص في الصورة؛ لأنا نعلم أن صلاة المسافر ناقصة عن صلاة المقيم، وأجرهما سواء بل يكون أجر المسافر أعظم لمكان المشقة، ولأنا نعلم أنه لو صلى صلاة تامة كصلاة المقيم لم يكن له أجر؛ بل كان على رأينا مخطئاً، فبان بذلك أنه لا ينظر إلى كثرة الفعل وطوله، بل ينظر إلى وقوعه على


(١) هكذا في جميع النسخ، والظاهر أنها: لولاه لما رفع.