شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الطرق الدالة على حدوث الأجسام]

صفحة 90 - الجزء 1

  إما أن يكون موجوداً فيه أو في غيره، أو معدوماً، باطل أن يكون موجوداً فيه لأنه كان يؤدي إلى أحد أمرين مستحيلين: إما أن يوجد ولا يظهر حكمه فلا يكون فرقاً بين وجوده وعدمه وذلك محال، وإما أن يظهر حكمه فيكون الجسم مجتمعاً مفترقاً في حالة واحدة وذلك محال، وإن كان موجوداً في غيره بعد أن كان حالاً فيه فذلك لا يعقل إلا بالإنتقال، والإنتقال على الأعراض محال، لأن المعقول منه تفريغ جهة وشغل أخرى، وذلك من خصائص الأجسام فلم يبق إلا أن يكون معدوماً، وغير الجسم من المحدثات ليس إلا العرض.

[الدليل على أن كل ما جاز عليه العدم وجب حدوثه]

  وأما الدليل على أن كل ما جاز عليه العدم وجب⁣(⁣١) حدوثه فلأن جواز العدم عليه يكشف عن كونه موجوداً لمؤثر على سبيل الصحة وهو الفاعل، أو لمؤثر على سبيل الإيجاب وهو العلة، لأنه لو كان موجوداً لذاته وذاته مع الأزمنة على سواء، كانت هذه الصفة واجبة له في جميع الأوقات؛ وإلا انتقض كونه موجوداً لذاته وقد ثبت ذلك، وخروج الموصوف عن الصفة الذاتية لا يجوز، فإذا جاز عليه العدم علمنا أنه قد تقدم حالة وجوده حالة كان وجوده فيها جائزاً، ثم وجب لمؤثر من فاعل أو علة وذلك معنى المحدث، فثبت بذلك أن كل ما جاز عليه العدم وجب حدوثه؛ لأن وجوده يكون بغيره لا بذاته.

  وكذلك الإستدلال بظاهر الجسم فلأن علمنا بما ركب الله - سبحانه - في الأجسام من الأعراض تابع لعلمنا بالأجسام، وإذا ثبت ذلك وثبت أن الجسم لا يجوز وجوده إلا كذلك، ثبت أن الجسم محدَث؛ لأن الجسم إذا لم يجز وجوده إلا مع وجود المحدث ثبت أنه لم يتقدم المحدِث، وإذا لم يتقدم المحدِث فهو معه أو بعده، وما بعد المحدِث محدَثٌ


(١) نخ: وجد.