(مسألة الإمتحان)
  وحجِّه وجهاده وسائر أعمال الصحة، يؤيد ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ١٠}[الزمر]، وهذا دليل على كثرته وعظمه.
  وصدق الكتاب والسنة للمتوسمين، وما يعقلها إلا العالمون.
[بيان الحكمة في عدم دوام الآلام]
  فإن قيل: فلم لا تدوم الآلام على الصالحين وتعمهم إن كان فيها ما ذكرتم من المنافع - التي نفيناها عن الله - تعالى - استبعاداً وتنزيها له تعالى - من ثواب الصابرين وعوض الممتحنين؟.
= عبادة ستين سنة في بعض الآثار يصوم نهاره فلا يفطر، ويقوم ليله فلا يفتر، ومع ذلك فإن الأجر لا يقدر بكثرة العمل؛ لأنه غيوب لا يعلمه إلا الله.
وقد قال رسول الله ÷ في حديث طويل: «إنما مثلكم ومثل الذين كانوا من قبلكم - يريد اليهود والنصارى - كمثل رجل قال لآخر: اعمل من أول النهار إلى الظهر ولك كذا، وقال لآخر: اعمل من الظهر إلى العصر ولك كذا، ثم قال لثالث: اعمل من العصر إلى المغرب بكذا وكذا؛ فغضب الأولان، وقالا: عملنا أضعاف ما عمل وضوعف له الأجر، قال #: وكذلك اليهود والنصارى غضبوا لما خص الله به هذه الأمة من مضاعفة الأجر».
وعلى سبيل الجملة نحن نعلم أن الآصار والتكاليف على الذين كانوا قبلنا أشق وأكثر، وأعمارهم كانت أطول، ونحن نعلم أن أمة محمد ÷ أفضل الأمم وأكثرها ثواباً، وأحسنها منقلباً ومئآباً؛ وإنما تنكر هذه الفرقة العمياء الضالة عن منهاج الهدى التي عادت أدلتها وهداتها، وفارقت حماتها ورعاتها، فتاهت في أودية الضلال، وباعت الماء بالآل، فلم تباشر يدي اليقين، ولا كتبت في ديوان المتقين؛ فنعوذ بالله من الزيغ والزلل، ونسأله الثبات في القول والعمل.
وأنت تعلم أيدك الله أن نوافل نوح # أكثر من نوافل محمد ÷ وفرائضه أضعافاً مضاعفة؛ فأعطاه الباري سبحانه بقليل العمل في جنب ما قدمنا كثير الأجر، كما صحّ عندنا ولا اعتراض على الحكيم بعد ورود النص؛ لأن طالب العلة يبني على أصل فاسد، وهو أن الفضل ليس إلا بعمل، وقد بيّنا بطلانه في الشرح في مواضع كثيرة.