(الكلام في أنه تعالى لا يريد الظلم)
  قوله: (لو شاءه ما عذَّب العبادا): المشيئة والإرادة معناهما واحد؛ لأنك لاتقول: شئت هذا الأمر ولم أرده، ولا أردته ولم أشه؛ بل يعد من قال ذلك مناقضاً جارياً مجرى قوله: أردت وما أردت.
  ومعنى قوله: (ما عذَّب العبادا): ظاهر؛ لأنه لو أراد الظلم ما عذبهم على فعله، لأنهم قد فعلوا مراده فكان إسم الطاعة ألزمَ لهم من إسم المعصية.
  قوله: (ولأردنا كلما أرادا): لأن ذلك الواجب علينا له ليلزمنا حكم المطيع أن نريد جميع ما أراد سبحانه من المحبوب والمكروه، ونكره ما كره من جميع ما أحببنا واشتهينا.
  قوله: (ثمت والينا الذي قد عادا): لأنه فعل ما أراد الحكيم - سبحانه - كما قال مخالفنا، وجبت علينا موالاته؛ لأنه لم يحاده سبحانه ولم يعصه إذ لم يخالف مراده.
  قوله: (وكان لا ينهى عن الإضلال): إلزام لمن خالفنا في ذلك من المجبرة؛ لأن شياطين الجن والإنس الذين يضلون الناس لم يأمروهم على مذهب من يقول إنه سبحانه يريد الظلم وقبيح أفعال العباد؛ إلا بما أراد سبحانه فكان يجب أن لا ينهاهم عن ذلك؛ لأنه لم يأمرهم إلا بما أراد منهم على قول المخالف، ومثل هذا لا يغبى على عاقل منصف.
  وتحرير هذه الدلالة: أنا نقول: إرادة القبيح قبيحه، والله - تعالى - لا يفعل القبيح.
[بيان أن إرادة القبيح قبيحة]
  أما الذي يدل على الأول وهو أن إرادة القبيح قبيحة؛ فلأنا نعلم أن الواحد منا لو أخبرنا عن نفسه أن جميع ما يجري من القبائح والمنكرات واقع بإرادته لذمه العقلاء، وعلى قدر شرفه وعظم شأنه يكون ذمهم له أكثر، والعقلاء لا يذمون على فعل إلا وهم يعلمون قبحه بالعقول، ودلالة العقول واجبة الإتباع لأنها أقوى الأدلة؛ بل هي أصلها.
  وما ذموه إلا لمجرد إرادته القبيح وإن كان الفاعل غيره، فكيف الحال إذا أراد وفعل على ما يقول المخالف!؟، فإذا أراد سبحانه، وتعالى عن ذلك - على قول المخالف - القبائح كانت علة إستحقاق الذم فيه سبحانه، وإثمه على أبلغ الوجوه؛ لأنا قد قدمنا ما لا ينكره عاقل منصف أن القبيح يعظم لعظم فاعله وشرفه، وإرادة القبيح قبيحة وهي فعل،