(دليل آخر) [في نفي الرؤية عن الله تعالى]
  فإن كانت معقولة: كانت لا تصح إلا مقابلة أو ما في حكمها.
  ونريد بما في حكمها: الألوان التي هي في حكم المقابل، وما يرى بالأشعة المنعكسة عند مقابلة الأجسام الصقيلة.
  باطل أن يكون تعالى في جهة المقابلة؛ لأن ذلك من خصائص الأجسام، وقد دللنا فيما تقدم على أنه تعالى ليس بجسم.
  وباطل أن يكون حالَّاً فيما هو في جهة المقابلة؛ لأن الحلول من خصائص الأعراض، وقد بينّا فيما تقدم أنه ليس بعرض.
  وإن كانت رؤيته غير معقولة: أدى إلى فتح باب الجهالات فيقال إنه تعالى يشم شماً غير معقول، ويلمس لمساً غير معقول، ويذاق ذوقاً غير معقول إلى غير ذلك من أنواع الجهالات؛ وكل قول أدى إلى ذلك فهو باطل، وقد أدى إليه القول بجواز رؤيته تعالى، فيجب نفي ذلك القول والقضاء بأنه تعالى لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة.
(دليل آخر) [في نفي الرؤية عن الله تعالى]
  [١٩]
  لو كَانَ ربِّي مُدْرَكاً في حَالهْ ... أَدْرَكْتُهُ الآنَ بِلا مَحَالَهْ
  يا إخوتا فَاطَّرِحوا الجَهَالهْ ... وَالشَّكَ والحَيرَةَ والضَلَالهْ
  واغْتَرِفُوا من زَاخِرٍ سَلْسَالِ
  وهذا دليل ثانٍ في نفي الرؤية عن الله تعالى.
  ووجهه: أن الله - تعالى - لو رؤي في الآخرة؛ لوجب أن نراه الآن، فلما استحالت رؤيته الآن إستحالت رؤيتنا له في الآخرة.
  وهذا الدليل مبني على أصلين:
  أحدهما: أنه لو جاز أن يرى في الآخرة لرأيناه الآن.