[بيان أن المماثلة في وجه مخصوص لا توجب المماثلة في كل وجه]
  رعاته، وهو رعيتهم، إن تعدى الموضع الذي أساموا فيه تعدى وعصى.
  ولا شك أن الراعي أفضل من المرعي بلا اختلاف، وما أحسن قول أبي قيس في مثل ذلك بيت:
  ليس قطاً مثلُ قطي ... ولا المرعي في الأقوام كالراعي
  فبين التعبدين بون بعيد، وقد ألجأت الضرورة إلى ذكر مثل هذه الأقوال المكشوفة العورات.
[بيان أن المماثلة في وجه مخصوص لا توجب المماثلة في كل وجه]
  فإن قيل: إنَّا نريد أنهم تُعبِّدوا بالصلوات الخمس، والحج، والصيام، كما تُعُبِّدنا.
  قلنا: ذلك وإن كان كذلك فقد خصوا من التعبد بما لم تخصُّوا به، وهو ما ذكرنا من تقويم الأمة، وسد ثغورها، وسياسة جمهورها، وإقامة الحدود فيها، وأنتم من ذلك بمعزل، وإن لم تعينوهم على ذلك فالنار، وإن علمتموه بين أيديكم وأرجلكم فالعار والشنار، وغضب الجبَّار.
  وحرمت عليهم الزكوة حتى تعبدوا بأن يأكلوا الميتة دونها، وأُحلت لمن اتبعهم منكم في الإعتقاد، فأين المقاربة في التعبد فضلاً عن المساواة.
  فأما الإتفاق في وجوه مَّا فذلك لا يلحق المفضول بالفاضل، ألا ترى أن هذا المخالف قد استوى، ولله المثل الأعلى، هو والحمار في أن كل واحد منهما لا تستقيم حياته في مجرى العادة إلا بالمأكل والمشرب، ولم يجب عندنا بذلك أن يكون مثلاً للحمار، لما خصه الله من جنس الإنسانية والعقل إلى غير ذلك من نعمه العامة على الكافرين والشاكرين كما قال، وهو أصدق القائلين: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ ٨٣}[النحل]، وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ٥٣ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ٥٤}[النحل]، فهذا المنكر لفضلنا خالفنا، فنحن نعلم أن عليه من نعم الله ما