[الدليل على أن الظلم قبيح]
  فمذهنبا أن الله - تعالى - عدل، حكيم، ليس في أفعاله ظلم، ولا عبث، ولا سفه، ولا شيءٌ من القبيح.
  وخالفت المجبرة في ذلك على طبقاتها.
  ودلالة هذا المذهب تنبني على أصلين، أحدهما: أن الظلم قبيح، والثاني: أن الله - تعالى - لا يفعل القبيح.
[الدليل على أن الظلم قبيح]
  أما كون الظلم قبيحاً فذلك معلوم لكل عاقل ضرورة؛ ولهذا يشترك في العلم بقبحه المختلفون.
  والمجبرة لا تخالفنا في قبحه، لكنهم يقولون إذا وقع من الباريء وقع على وجه يخرجه عن كونه ظلماً، وذلك باطل؛ لأن العلة الموجبة لكونه ظلماً من الواحد مِنّا هي قائمة في الباريء - تعالى - على أبلغ الوجوه.
  ألا ترى أن الظلم عند جميع العقلاء: هو الضرر العاري عن نفع يوفي عليه، أو دفع ضرر أعظم منه، أو استحقاق لجنسه؛ لأن الظلم، وإن كان عند غيرنا من المجبرة، وضع الشيء في غير موضعه كما يقوله بعضهم، والتصرف في ملك الغير بغير إذنه، كما يقوله بعض آخر، إلى نحو ذلك، فلا ينكرون أن كل فعلٍ وقع على الوجه الذي ذكرنا فإنه يكون ظلماً لا محالة له، ولا سبيل لهم إلى دفعه، لأنه من علوم العقل الأوَّلة.
  يزيد ذلك إيضاحاً أن رجلاً لو مر برجل يقطع يد غيره ففتش عن حاله هل ذلك القطع لدفع ضرر أعظم؟ كأن يكون في يده آفة أجرى الله - تعالى - العادة بأنها إن لم تقطع سرت إلى سائر الجسد، أو كان ذلك الإنسان سارقاً فأمر الإمام بقطعه بعد معرفة ذلك الرجل بصحة الإمامة، أو قطعت يده قصاصاً، أو رأى رجلاً يضرب صبياً ضرباً مبرحاً لا لنفع يعود عليه، ثم أخبرنا بعد ذلك، مع تعري هذا الضرر عن واحد من هذه الوجوه، أنه لا يقطع على قبح ذلك الفعل لَعَلِمَ كل عاقل بطلان قوله بما يجري مجرى الضرورة، فثبت أن الظلم لا يقبح إلا لوقوعه على هذا الوجه من أي فاعل كان، بدلالة