[الكلام في مسألة عالم]
  من كلِّ فَنٍّ مُتْقَنٍ عجيبِ ... دَلَّ على العلمِ بِلا تَكذيبِ
  في مَعْرَضِ الجوابِ والسؤالِ
  لما فرغ من الكلام في أنه تعالى قادر عقبه بالكلام في أنه سبحانه عالم؛ لأن ما استدللنا به على أنه تعالى قادر، وهو وجود الأفعال من قِبَلِهِ، دليل على أنه تعالى عالم؛ لأنه وقع على وجه يكشف عن أنه تعالى عالم على أبلغ الوجوه؛ لأنك إذا نظرت إلى الأجسام - التي دَلَلْنَا على أنه تعالى أوجدها من دون غيره - وما فيها من التقادير العجيبة، والتراتيب الفائقة، والمنافع الجليلة الكاملة، التي لا يشك كل عاقل في كونها أبلغ في باب الإحكام من الكتابة الحسنة، والصنعة البديعة الرائقة، وقد صحت مفارقة العالم بالكتابة والصنعة لمن ليس بعالم، وأن من لا يحسن الأفعال المحكمة لايسمى عالماً، ومن يحسنها يسمى عالماً، وقد صح من الله - تعالى - من الأفعال المحكمة ابتداءً ما يعجز عنه كل عالم؛ فوجب تسميته لذلك عالماً؛ أو بما يكشف عن معنى العالم عند من لا يحسن اللغة العربية.
  وقوله: (كلما بان): يريد؛ كلما ظهر (من التركيب) يريد تركيب الحيوانات أعضاءً، وأجزاءَ الجماداتِ بعضها فوق بعض على مقدار ما يعلمه الله - سبحانه - من المصلحة، فقد ظهر لنا بحمد الله؛ ولكل عاقل متأمل؛ ما يبهر العقول، ويشهد لصحته علم الأصول.
  (من كل فنٍ متقنٍ عجيب): يريد؛ أجناس الحيوانات والجمادات؛ لأنك إذا تفكرت في نوع منها؛ وهو خلق ابن آدم وما فيه من التوصيل والتفصيل والمخارق لمخارج الأغذية ومداخلها، وللإحساس للمحسوسات؛ من المطعومات والمسموعات والملموسات، وكذلك سائر أنواع الحيوان؛ وكذلك إذا تفكرت في هذه النباتات وما فيها من التركيب والأرزاق والأعمدة التي تقوم عليها، والعروق التي تجذب إليها الأغذية من الماء والطين، وما يخرج منها من الثمار الحسنة، والأزهار البديعة، التي لو اجتمع الخلق أن