(يتلوه الكلام في أن الإمامة في أولادهما وأنها مقصورة عليهم)
  ذلك كان للسكوت وجه يصرف إليه غير الرضاء، وهو استظهار صاحب الأمر والخوف من انشقاق العصا.
  وأما إحتجاجهم بالخبر فقد بينا، بما تقدم، أن الإحتجاج به لنا أولى؛ لأن (مِنْ) للتبعيض، ونحن بعض قريش؛ بل أشرف أبعاضها.
  ولبيان الجنس، ولا شك في أن جنسنا قرشيٌّ محضٌ.
[إبطال كون العقد والإختيار طريقاً إلى الإمامة]
  وقد ذكرنا العقد والإختيار فلا بد من الإستدلال على أنهما لا يكونان طريقاً إلى الإمامة أصلاً، فنقول: ذلك باطل لوجهين.
  أحدهما: أنه لا دليل في العقل ولا في الشرع يدل على كون العقد والإختيار طريقاً إلى الإمامة.
  أما العقل: فقد ثبت أن الإمامة من أمور الدين المهمة، وأركانه القويَّة، فلا يجوز أن يثبت بطريق لا توصل إلى العلم.
  ومن قال بالإختيار لم يوجب أكثر من خمسة يعقدون لواحد بأن يختاروه باجتهاد أنفسهم، ولم يشرط أحد من أهل هذه المقالة عصمتهم، وإذا كان الأمر كذلك فالعقل كما يجوز نصيحتهم يجوز خيانتهم أو محاباتهم، كما نعلم من حال أَنْفُسِ من اختار أبا بكر، ولأنَّا لو قطعنا على نصيحتهم؛ لم نأمن من خطأهم في إختيارهم، فيختارون من يكون إختياره سبباً لإشتعال نار الفتنة، وتنكباً لاحِبَ المحجة كما قد كان.
  والإمامة إنما وجبت لكونها مصلحة في الدين، ولايعلم المصالح إلا الله - تعالى - فطريقها يجب أن تكون معلومة بأدلة معلومة من قبله تعالى، ولا يمكنهم إدعاء الإجماع في معنى العقد وإن إختلف في عين الإمام ومنصبه؛ لأنَّا نعلم أن عليًّا ومن قال بقوله، لم يفزعوا إلى العقد أصلاً، فلهذا قال العبَّاس ¥: (أبسط يدك لأبايعك)، ولم يقل: اجتمع مع أربعة ونعقد الأمر لك.