شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في العقل وماهيته]

صفحة 62 - الجزء 1

  داعي له سبحانه إلى القبيح، يمنعه سبحانه علمه بقبحه وغناه عنه - عن فعله - فيكون فيه معنى العاقل فيسمى عقلاً للمبالغة كما سميناه تعالى عدلاً فبطل أن يسمى عاقلاً لمثل ذلك أيضاً.

  وأما الشرع: فقاعدته الكتاب والسنة، ولا دليل فيهماعلى شيءٍ من ذلك، فهذا ما احتمل هذا المكان من الكلام في معنى العقل وحقيقته، ولم سُميَ؟ وتسميته.

[الخلاف في محل العقل]

  وأما الخلاف في محله: فهو واقع بيننا وبين الفلاسفة، وأصحاب الطبائع، فإنهم يقولون إن محله الدماغ.

  وعمدتهم في ذلك: أنه إذا فسد الدماغ ذهب العقل، وهذا باطل؛ لأنا قد أجمعنا نحن وإياهم، بل الكافة، أن الكبد والطحال لا يتوهم حلول العقل فيهما، وإن كان بفسادهما يفسد العقل.

  فإن قيل: إنا نريد الفساد مع بقاء الحياة.

  قلنا: ونحن لا نسلم بقاء الحياة مع فساد الدماغ في مجرى العادة، ومذهبنا أن محله القلب، كما تقدم ذكره عن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين # من قوله: (وعلق في صدره قلباً، وركب فيه لباً)، وهو مذهب الكافة من الأئمة الأعلام، وعلماء الإسلام، وقد احتج لذلك بعض علماء أهل العدل بأن الإنسان يجد العلم، والظن، والإعتقاد، والإرادة، والكراهة، والفكر، كأنها تتولد من ناحية صدره، وقد وقع الإجماع من العقلاء على نفيه عن جميع الأعضاء الباطنة مثل الطحال والكبد والرية، فلم يبقَ لحلوله جهة يتوجَّه الكلام فيها إلا القلب، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه، فلذلك قضينا بحلوله في القلب، وهذا القول يمكن أن يعارض بأن البخار إذا صعد إلى الدماغ فغطى عليه زال العقل، ومن قولهم: إن أهل العلة يعلمون ذلك عند البروء.

  ويمكن أن يتخلص منه بأنه لا مانع من أن يكون الحكيم - سبحانه - جعل للقلب مواداً من الدماغ، فإذا صعد البخار بقدرة الحكيم - تعالى - إنقطعت المادة فأزال العقل