شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام على من نفى الصانع من الفلاسفة]

صفحة 66 - الجزء 1

  ولا يصح التعويل على اعتدال المزاج أيضاً لمثل ذلك، لأن اعتدال المزاج ثابت للنائم ثبوته لليقظان، وعقل النائم زائل لولاه لاحتاج عند كل يقظة إلى العلاج، ومعلوم خلافه، وبمثل ذلك أيضاً يبطل قول أصحاب النجوم لأن الطالع واحد، والأسباب والمقابلة واحدة، وجميع ما يتوهم تأثيره في حال اليقظة والمنام على سواء، لم يختلف الحال فيزول في حال النوم ويعود في حال اليقظة، فلا بد من مزيل ومعيد، وليس ذلك إلا الله - تعالى - لخروج العقل عن مقدور كل قادر سواه.

[ذكر ثمرة العقل]

  وهو مما يجب أن يشكر تعالى عليه، بل هو من أَجَلِّ نعمه على عباده، لأن به تنال الأغراض الشريفة، ويرقى إلى الدُرُج العالية، وتفتح الأمور المستصعبة، وتسد الثغور، ويساس الجمهور، ويستظهر به على الفيل مع عظمه، وعلى الأسد مع شجاعته وقوته، وعلى المغير مع جلده، وبه يعبد الرحمن، ويشكر المنان، وتورث الجنان، ولا تنقضي ذكر ثمرته وإن كثر الكلام وطال الشرح، والحمد لله تعالى عليه خاصة، وعلى نعمهِ عامة، ولا سبيل بحمد الله لأحد إلى رد ما ذكرنا.

[الكلام على من نفى الصانع من الفلاسفة]

  وإنما حمل من قدّمنا ذكر خلافه على الخلاف فيه كلامهم في نفي الصانع المختار، فطلبوا لذلك العلل؛ لأن الأوائل زعموا أن الباريء - تعالى - بلسان الشريعة علة موجبة للعقل الأول، وأن العقل الأول أوجب النفس، وأن النفس أوجبت الهيولى والصورة، والهيولى والصورة أوجبت الأجسام كلها الفلك بما فيه وما تحته، فلما اختلفت الأجسام والموجب غير مختلف الإختلاف اللغوي، وهم لا يرجعون إلى فاعل مختار، فنظروا النبات ينمو ولا فاعل عندهم يختار نموه على الوجه الذي يريد من المصلحة، أثبتوا قوة وطبيعة، ونفساً وإحالة؛ على حسب إختلافهم في العبارة التي ترجع عند التحقيق والمطالبة إلى معنى واحد، فلما اختلف عليهم النامي إلى حيوان وجماد، وكان في الحيوان