شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام في مسألة الأرزاق]

صفحة 77 - الجزء 1

  يستحسنه وإن كان النفع بها واصلاً إلينا، لمَّا كان القصد مستحيلاً عليها لكونها غير حية ولا قادرة، والقصد لا يكون إلا من حي قادر، فلو كان الإحسان الواصل إلينا من قبل الله تعالى فيضاً كما زعموا، لما وجب علينا شكره، كما قدمنا بيانه.

  فحقيقة المنعم على ذلك: هو الموصل للنفع أو لسببه مع القصد للإحسان إلى من وصل إليه.

  وحقيقة الإنعام: هو النفع الحسن الذي يقصد به موصله وجه الإحسان إلى من وصل إليه.

[الكلام على أهل الطبع]

  وأما الكلام على أهل الطبع: فهو يتعين في إبطال ما يذهبون إليه من الطبع وإثبات الصانع المختار - سبحانه - وأنه لا فاعل للأجسام سواه، فبذلك يبطل ما ذهبوا إليه، وسنذكر في إبطال ما ذهبوا إليه طرفاً من الكلام فيما بعد إن شاء الله تعالى.

[الكلام على مذهب أهل النجوم في الأرزاق]

  وأما أصحاب النجوم: فمذهبهم مبني على أن الأرزاق والأرفاق الواصلة إلى العباد تحصل بتأثير الكواكب وسعادة المولد.

  والكلام عليهم: أن هذه الأرزاق الواصلة إلى العباد أفعال فلا بد لها من فاعل، والفاعل لا يكون إلا حيًّا قادراً، والكوكب غير حي ولا قادر.

  ودليل آخر: وهو أن الكوكب جسم بالإضطرار والمشاهدة، تلزمه الحركة والسكون وسائر الأكوان، وذلك أمارة الحدوث، فلو قدّر على إستحالة ذلك كون الكوكب قادراً لم يخرج عن كونه قادراً بقدرة، فالقادر بالقدرة لا يصح منه فعل الأجسام، ولأن القادر بالقدرة لا يعدي فعله إلا بالإعتماد، والأرزاق أجسام بالإضطرار، والإعتماد لا يولد الأجسام، ولا تأثير له في إنشاء الغمام، وفتق الأكمام⁣(⁣١)، إلى غير ذلك من أنواع الإنعام.


(١) الأكمام جمع كم بالكسر: وعاء الطلع وغطاء النَّوْر. تمت ق.