[الكلام في مسألة الأرزاق]
  عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ٤٣ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ ٤٤}[النور].
  وأما الدلالة على بطلان ما قالوه من جهة العقل: أنه لا برهان لهم فيما ادعوه، وكفى بالمذهب فساداً أن لا يقوم عليه دليل، وإنما زخرفوا هذه الأقوال ونمقوها وبنوها على شروط إعتيادية، أجرى الحكيم - سبحانه - العادة بأنه يفعل تلك الأفعال عند حصولها فسموها عللاً، وأضافوا الصنع إليها بغير نظر في حقائق الأمور؛ لأنا نعلم في الشاهد أن الكتابة لاتحصل منا؛ إلا بحصول أمور من دواة وقلم إلى غير ذلك من آلات الكتابة، ثم نعلم أن الكتابة فعلنا، لوقوفها على دواعينا، وذلك معلوم لكل عاقل، مع أنا نعلم أن الآلة شرط في وقوع الفعل منا، والباريء - سبحانه - غني عن ذلك؛ لأنه متمكن من الفعل بدون الشروط الإعتيادية، وإنما أجراها لمصلحة يعلمها، والأمر في إضافة الأفعال إليه أجلى وأظهر من إضافة الأفعال إلينا، فكما أنه لا إشكال في إضافة أفعالنا إلينا - وإن وقف حصولها على شروط لا يستغنى عن حصولها - فكذلك يرتفع الإشكال عن إضافة أفعاله إليه، وإنما أجرى العادة لمصلحة هي حراسة أعلام النبوءة على ماذلك مقرر في مواضعه من كتب علم الكلام.
[السبب في نفي الطبائعية للصانع]
  فكان السبب في إعتقادهم هذا الفاسد - والله أعلم - أنهم رأوا الولد لا يحصل إلا باجتماع الذكر والأنثى، وأن النبات لا ينمو إلا باجتماع الطين والماء، إلى غير ذلك، وقولهم هذا: لا يخرج الفاعل عن كونه فاعلاً، كما قدمنا مثاله في الواحد منا، ألا ننظر(١) إلى هذه الأعاجيب المتقنة، والصور البديعة، والألوان المختلفة، والبُنا(٢) المركبة، التي يعجز العباد مع قدرتهم وعلمهم عن وصل المنفصل منها فضلاً عن إيجاده منظوماً
(١) في (ن): ألا تنظر.
(٢) البنا - بالضم والكسر -: جمع بُنْية. تمت.