شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الطرق الدالة على حدوث الأجسام]

صفحة 91 - الجزء 1

  بالضرورة، وما كان وجوده مع وجود المحدِث إستحال كونه قديماً لما بينا في حقيقة القديم.

[بيان أن كل محدَث لا بدّ له من محدِث مخالف له]

  وإذا قد ثبت حدوثها فلا بد لها من محدِث مخالف لها، لإستحالة إحداثها لأنفسها، لأنها لو أحدثت أنفسها كانت لا تخلو: إما أن تكون أحدثت أنفسها وهي موجودة أو معدومة.

  باطل أن تكون أوجدت أنفسها وهي موجودة، لأن إيجاد الموجود محال لإستحالة وجود غناه وحاجته، من وجه واحد، لوجه واحد، في حالة واحدة، وذلك ظاهر.

  وباطل أن تكون أوجدت أنفسها وهي معدومة، لأنا قد علمنا أن إيجاد الفعل يستحيل من عادم القدرة مع وجود ذاته وحياته فبأن يكون عدم الذات أبلغ في إستحالة وجود منه أولى وأحرى.

  وإن كان المؤثر في وجودها غيرها فالغير إما فاعل أو علة، باطل أن تكون هذه الأجسام الحوادث حدثت لعلة؛ لأنا نراها مختلفة التراكيب والصور والألوان، ونراها تحدث شيئاً بعد شيءٍ، فلو كان المؤثر فيها علة لما جاز ذلك لأن معلول العلة لا يختلف أصلاً.

  فإن قيل: إنما إختلفت لأنها تأثير علل كثيرة مختلفة فلذلك اختلف معلولها؟

  قلنا: فلم اختلفت تلك العلل؟ ألعللٍ أخرى؟ أدى ذلك إلى التسلسل وذلك محال.

  وإن كان الإختلاف لفاعل مختار، وذلك الذي نقوله، وجب الإقتصار هاهنا.

  فإن قيل: ولم خالف بينهما⁣(⁣١)؟.

  قلنا: لما يعلم من الحكمة والمصلحة في ذلك، ونحن نعلم جواز المخالفة في الغائب بما يعلم به وقوعها مع الحكمة في الشاهد، ولا ينكر ذلك إلا معاند.


(١) أي بين المحدِث ومحدَثه. تمت.