[ذكر مسائل أصول الدين وما يتبعها]
  نقول بذلك وإنما ألزمناهم على قولهم كما ثبت مثل ذلك في ولد إسماعيل، ولا سبيل لهم إلى نقض هذا الأصل إلا بالإنسلاخ ظاهراً عن الدين، وإنما نبَّه تعالى بقوله: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ١٢٤}[البقرة]، على أنه لا حق للظالمين فيها، لأنهم بظلمهم لأنفسهم يمنعون من أقل ما يستحقه آحاد المسلمين من سهام المجاهدين، وخمس غنيمة الغانمين، فكيف يطلق لهم ما فوق ذلك من التصرف العام في جميع العالم؟!، ذلك مما تأباه العقول، ويمنع منه الدليل، وهذا بحمد الله ظاهر للمتوسمين، فوجب ثبوتها للمؤمنين، وإلحاقه سبحانه لأبنائهم بهم في أحكام الدنيا، إلا ما خصَّه الدليل، إلى يوم الدين.
[الدلالة من العقل على وجوب استجابة دعوة الأنبياء على رب العالمين]
  وما يدل على وجوب إستجابة دعوة الأنبياء على ربِّ العالمين بدلالة العقل: أن مراده تعالى في بعثتهم أن يَتَّبِعَهم العالَمُون، ولا ينكر ذلك أحد من المسلمين، فلو لم يستجب دعوتهم لنفر ذلك عنهم الراغبين، والمصغين إليهم من المسترشدين، وذلك يعود على مراده في بعثهم بالنقض والإبطال؛ وذلك لا يجوز، لأنه يكون عبثاً، والعبث قبيح، والله - تعالى - لا يفعل القبيح على ما ذلك مقرر في كتب علم الكلام.
  ومثاله في الشاهد: أن رجلاً لو أتى إلينا وادعا أنه خاصَّة الملك وأتى على ذلك بالشهود، ثم رأيناه يسأل الملك أمراً هو عليه هين ولا مانع له منه، ثم لم يعطه إياه ولا يقبل عليه فيه، فإنه يسقط من أعيننا، ومنزلته لدينا، وإن كان الملك قد صدقه في دعواه الأولة بحضرتنا علمنا أنه قد بدى له منه ما يوجب الإستخفاف به، فيكون ذلك أقوى للصرف عن الإتباع له؛ والإصغاء إليه، ومثل ذلك لا يجوز عليه تعالى.
[شبهة في دعاء إبراهيم لآزر والجواب عليها]
  فإن قيل: أفليس قد دعا إبراهيم # لأبيه فلم تستجب دعوته؟!.