فصل: [في ذكر طرف من معنى الولاء والبراء]
[بيان أن الموالاة والمعاداة لا تكونان إلا بالقلب]
  إعلم؛ وفقنا الله وإياك: أن الولاء والبراء يعودان في التحقيق إلى المحبَّة بالقلب والقصد والإرادة والرضى، ومعنى ذلك أن تحب للولي ما تحب لنفسك من أنواع الخير في الدنيا والآخرة، وتكره له ما تكره لنفسك من شرور الدنيا والآخرة لمجرد إيمانه، وإن لم يصل إليك نفع من قبله، والعاصي بالعكس من ذلك إلا في أمر الدنيا؛ فلا تكره ما وصل إليه من نعم الله - تعالى - لأنك لو كرهتها كرهت ما أراد الله - تعالى -، ولا يجوز لأحد أن يكره مراد الحكيم؛ لأنه سبحانه يكمل عليهم النعمة في الدنيا ليلزمهم الحجة في الآخرة، كما قدمنا في مسألة الأرزاق، ويكره له جميع خيرات الآخرة بشرط موته على معصية ربِّه؛ لأن الله - تعالى - يكره أن يوصل إليه خير الآخرة، فتكون إذ ذاك في الحالين مطابقاً لمراد مولاك الحكيم - سبحانه - وتحب له التوبة والرجوع إلى الله - تعالى - وهي من أجل خير الدنيا؛ بل يبذل الجهد، ويستفرغ الوسع في حصولها لكل أحد؛ لأن الله - تعالى - أمر بذلك، وهو لا يأمر إلا بما يريد ويحب؛ فبذلك يتضح لك أن الإحسان إلى العاصي لا يكون موالاة عند أهل العلم من أهل البيت $، وأتباعهم من العلماء ¤؛ لأن الله - تعالى - محسن إلى الكفار والفساق بالأنواع الجلية الواجبة الشكر في الدنيا نحو الحيوة والصحة اللتين ترجُحان بالدنيا وما فيها لو قُوِّما، والأموال، والأولاد، والإمهال بعد الإستحقاق للنقمة، الذي يتمكن معه من أراد الرجوع من الرجعة والتوبة؛ ولهذا يجب عليهم شكره تعالى في جميع الأوقات.
  ولا يجوز إطلاق القول بأنه تعالى مُوَالٍ لهم؛ بل ربما يقرب هذا القول من الكفر ممن قال به؛ لأنه رد لظواهر الكتاب والسنة التي لا تحتمل التأويل؛ فصح الفرق بين الأمرين بأجلى برهان؛ ولأن المعلوم من حال النبي ÷ أنه كان يحسن إلى الكافة ممن أمكنه الإحسان إليه من مؤمن وكافر، وبر وفاجر؛ بل كان ذلك خلقه وسجيته يذكره أولياؤه، فلا ينكره أعداؤه.