شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

فصل: [في ذكر طرف من معنى الولاء والبراء]

صفحة 125 - الجزء 1

  ولا يجوز إطلاق القول بأن رسول الله ÷ كان موالياً لهم، وقد قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ٩}⁣[الإنسان: ٨ - ٩]، روي أن هذه الآيات، نزلت في السبَّاق إلى الخيرات، علي بن أبي طالب #، ولا شك أن الأسير في تلك الحال لا يكون إلا مشركاً، وعلي # غير موال للمشركين؛ بل هو أشدّ الناس لهم عداوة بعد الرسول الأمين ÷، فصح أن الموالاة والمعاداة يرجعان إلى البغضة والمحبَّة لا سيما وقد أيد الله - تعالى - ذلك بقوله: {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٨}⁣[الممتحنة]، وهذا⁣(⁣١) كما ترى تصريح منه سبحانه بأن برهم: وهو الإحسان إليهم، والإقساط: وهو العدل فيهم، مما يحب اللهُ فاعلَه، وهم لا شك في ذلك عند أهل العلم في تلك الحال كافرون؛ ولأن الله - تعالى - ورسوله ÷ كان قبل المهاجرة غير محارب لهم، وإنما كان داعيا كما أمر الله - تعالى - إلى سبيله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن؛ ولا يجوز وصفه ~ بأنه والى أحداً من المشركين طرفة عين، وقد صح بمجموع هذه الأدلة التي في بعضها كفاية لمن اكتفى أن الموالاة والمعاداة - التي هي المباراة - لا يكونان إلا بالقلب، ولا شك أن التعبد به أشق؛ لأنه مما يختص الله - سبحانه - بالإطلاع عليه؛ فيجب على العاقل أن يجتهد في أن قلبه لا يخلو من حب المؤمنين لمجرد إيمانهم، وإن لم يصل إليه منهم نفع، وفي بغض العاصين لمجرد معصيتهم، وإن لم يصل منهم ضرر؛ بل وإن وصل إليه منهم نفع؛ لأن نفع الله له أجل، وحقه عليه أوجب، وإن لم يظهر شيئاً من ذلك؛ لأغراض صحيحة دينية إما رجاء توبتهم إلى الله تعالى وإقبالهم، وإما استكفى مضرتهم، إلى غير ذلك، هذا كله في غير وقت الإمام.


(١) في (ن): فهذا.