[الكلام في مسألة إثبات الصانع]
  يريد بسليم القلب: صحيح القلب من أدواء الحيرة وعاهات الضلالة.
  وقوله: (كالزجاجة): يريد؛ من صفائه ونوره.
  وقوله: (مضيئة): يريد به الزجاجة أضاءت.
  (من قبس الذبال): يريد؛ من نار الذبال؛ وهو في أصل اللغة القبس، فشفع نور الزجاجة بنور القبس الذي في الذبالة، وذلك للمبالغة في تعظيم صفة النور أن يكون في الزجاجة ناراً؛ والجميع من ذلك صفة لقلب المؤمن وتشبيه له؛ لأن قلب المؤمن سليم من آفات الجهل، كما قدمنا، فنسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من أهل القلوب السَّليمة، كما جعلنا من أهل الأصول الكريمة، والمغارس الشريفة الصَّميمة.
  ومعنى ما ذكره في القافية يريد إيضاح أن الأفعال محتاجة إلى فاعلها لأجل حدوثها، وتلك العلّة قائمة في الأجسام والأعراض، فيجب أن تحتاج إلى فاعلها القديم تعالى، وإلا انتقض التعليل وذلك لا يجوز، وحدوثه على ما نشاهده من الترتيب والتراخي يقضي بأن فاعله مختار، ويبطل القول بالعلة الموجبة كما تقوله الفلاسفة ومن طابقهم على ذلك.
[إبطال تأثير العلة الموجبة في الحدوث]
  وتحرير الدلالة في ذلك: أنَّا نقول: قد تقدمت الدلالة على حدوث الأجسام؛ والمحدث موجود على سبيل الجواز؛ إذ لو كان موجوداً على سبيل الوجوب لم يكن لوجوب الوجود في حال أولى مما تقدمها من الأحوال، وذلك يوجب وجوده أزلاً وأبداً وقد ثبت حدوثه، وإذا كان موجوداً على سبيل الجواز لم يكن بد من مؤثر أوجب خروجه إلى الوجوب من الجواز؛ لأنه كان جائزاً في الأصل ثم وجب؛ فلا بد من مؤثر أوجب خروجه من الجواز إلى الوجوب، إذْ لو لم يكن ثم مؤثر لبقي على الجواز والعدم الأصلي، فلما وجد علمنا المؤثر لا محالة، وذلك المؤثر لا يكون إلا فاعلاً مختاراً، كما قدمنا.
  يزيد ذلك ظهوراً أن خروجه من العدم إلى الوجود لو كان لعلة لكانت تلك العلة لا