(الكلام في مسألة الإدراك)
  ويقول إن الإدراك زائد على العلم؛ لأن الواحد منَّا قد يعلم ما لا يدركه، كأن يخبره نبي صادق أن زيداً في المسجد، وكمخبر الأخبار المتواترة، فإنَّا نعلم ذلك ولا ندركه، كالبلدان القاصية نعلمها بالأخبار ولا ندركها، وكالباريء - تعالى - فإنَّا نعلمه ولا ندركه، وندرك ما لا نعلم، كالنائم يدرك الأمر الذي ربما أيقظه ولا يعلم، وربما يسأل من كان بحضرته يقظاناً بما دهاه وذلك ظاهر؛ فثبت أن بين الأمرين فرقاً.
  قالوا: ويزيد ذلك أن الإنسان منَّا قد يعلم بالأخبار المتواترة أمراً؛ ثم يشاهده بعد ذلك بالحاسة فيجد مزية وحالاً غير ما تقدم، وهذا كما ترى يوجب كونه تعالى عالماً بالمدركات من المسموعات والمشمومات والمذوقات غير مدرك لها فيما لم يزل، وأنه مدرك لها بشرط البقاء بعد وجودها فيما لا يزال.
[معنى كون الله سميعاً بصيراً]
  وترتيب الإستدلال في هذه المسألة: أن يعلم أنه تعالى حي بما تقدم، ثم يعلم أنه لا آفة به لا ستحالة الجوارح والآلات - التي لا تكون إلا في الأجسام - عليه تعالى؛ لأن المعقول من الآفات فساد الجوارح والآلات، فإذا تقرر عِلْمُ ذلك ثبت العلم بأنه تعالى سميع بصير مدرك للمدركات.
  دليله في الشاهد أن من كان حياً لا آفة به تمنعه من السمع والبصر يجب أن يدرك المدركات، ولو لم يكن حياً أو كان حياً إلا أن به بعض الآفات في السمع والبصر أو محل الحياة لم نعلمه مدركاً.
  فقد صح بهذه الأدلة المتقدمة أن الله، سبحانه، سميع بصير مدرك للمدركات.
  و (الذَّرة): دويبة لطيفة، وربما كانت سوداء.
  و (الصَّفَات): هي الصخرة الملساء.
  قال الحطيئة يخاطب الزبرقان وقومه:
  ماذا علي إذا فلَّت مَعَاوِلَكُمْ ... من آل لاي صفاتٌ أصلها راسي