[التذكير ببعض نعم الله]
  والقبيح وإن كانت النفوس تكرهه؛ لأن الحسن أكثر ما يكون في المكاره، والقبيح أكثر ما يكون في الملاذ والمشتهيات؛ وهذا تنبيه لكل عاقل متأمل لم يعم التعصب عين بصيرته، وتملك يدُ التقليد مقودَه.
[التذكير ببعض نعم الله]
  (عدنا إلى التفسير)
  قوله: (ومنه للكل العطاء الجزل): فكذلك حاله سبحانه؛ لأنَّا نعلم أنه منعم على كل أحد من عباده نعمة جليلة ترجح بالدنيا وما فيها، فأول نِعَمِه على عباده - ومجموعها لا تحصى - إخراجه لهم من العدم إلى الوجود، وإحياؤه لهم بعد الإخراج، وتركيب هذه الجوارح الجليلة القدر فيهم من الأيدي والأرجل والألسنة والأنوف والأعيان والآذان، التي لو أعطي كل واحد منَّا في جارحة منها ما في الدنيا من عين وجوهر وطيب وفلس؛ بل جميع حيوانها وجمادها، لما أنصف العاقل وسد له مسد الإستمتاع بها فضلاً عن مجموعها، فالحمد لمن جمعها، وجعلنا نشتهي، ومكننا من المشتهى، وأغنانا بحلال المشتهى عن حرامه، لنحترز عن مواقعة القبيح وآثامه.
  بل إنظر أيها العاقل - عَطفاً لا إضراباً - إلى هذه الحياة ما أجل قدرها وهي فِعْلُه لا محالة، فإنه لا يوازيها شيءٌ من ملك الدنيا؛ بل لا يوازيها ملك الدنيا؛ لأنَّا نعلم علماً ضرورياً أن الموت لو اندفع بملك الدنيا ويخرج عن ملكه لفعل، يوضح ذلك أنَّا نعلم أن الملوك ينهزمون عن الممالك الخطيرة إذا خافوا فوت الحيوة، أو ذهاب بعض الجوارح، أو الحبس الذي يهون أمره، إن فكر في أمر حبس الآخرة وعذابها نعوذ بالله منه؛ فإذا فكر الإنسان في عطايا الله - سبحانه - وعظمها - وأن الحكيم سبحانه قصد بها الإحسان إلينا لاستحالة النفع الذي هو فرع الحاجة عليه تعالى، وإكماله سبحانه لما تقدم من النعم بالعقل الذي هو تمام كل حي، وأشرف كل شيءٍ من عطايا الحكيم بالإتفاق - علم تقصير نفسه مع الإجتهاد عن تأدية الشكر الواجب عليه، فالله المستعان.