[التذكير ببعض نعم الله]
  وليس لجاهل أن يعترض ما قدمناه بأنَّا نرى بعض الملوك يستسهل الموت ويؤثره على الإنهزام.
  قلنا: يعلم ذلك كل عاقل أن لا فوت للموت، وأنه حوض لا بد من وروده، ونحن قدرنا لو حصل له وقع الموت [إرغاماً](١) وهذا لا يمكن إعتراضه بشيءٍ.
  قوله: (وليس يثني نعمتيه العذل): يريد؛ نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، ويحمل على النعمة الباطنة والنعمة الظاهرة، ويحمل أيضاً على نعمة الدنيا ونعمة الدين، فهو تعالى منعم في جميع هذه الوجوه، فحمل اللفظ على الجميع أولى، ولا يثنيه(٢) العذل؛ بل السَّبُّ الذي هو في هذا الباب أبلغ، وهو في حقه تعالى أشنع وجوه القبح؛ لأن اليهود قالت: يده مغلولة، وقالت: هو فقير وهم أغنياء، فلم يمنعه ذلك من الإنعام عليهم، وقد نطق بذلك القرآن فقال تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}[البقرة: ٤٠ - ٤٧]، فهذا كما ترى تصريح بما ذكرنا، فسبحان من لا يثني نعمه عذل العاذلين، ولا يقدح في حكمته تأويل الجاهلين؛ إذ المعلوم من كل معط سواه - ومن ذا الذي يعطي على الوجه الحسن إلا من أعطاه وأغناه سبحانه، وأقناه -، يؤثر فيه عذل العاذلين، وإن لم يستمر ذلك فلا بد من وقوعه في حين، فكيف بما يُعلم من متمرّدي هذه الأمة بالمشاهدة، ومن الأمم الضالة المتقدمة بما في كتاب الله - سبحانه - وسنة رسوله ÷ بالأخبار المتواترة، أنهم سألوا الله - تعالى - إنزال النقمة وتعجلوها قبل وقتها في الحكمة جهلاً منهم بالله - سبحانه -، واستخفافاً بعظيم ما أعد لمن عصاه، فأنزل الله - سبحانه - عليهم النعمة عوضاً عما سألوا لسعة جوده، وعظم كرمه، فسبحان من لا يحصي أياديه العادون، ولا يأتي على كنه وصفه الواصفون، فالحمد لله ربِّ العالمين.
(١) في جميع النسخ كلمة غير ظاهرة، ولعلها: (إرغاماً).
(٢) من الثني، وهو الضد الذي هو المنع، تمت.