شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(القول في تكليف ما لا يطاق)

صفحة 161 - الجزء 1

  - سبحانه - لوجب الرضى بها لما تقدم من إجماع الأمة؛ على ما ذكرنا من الوجهين جميعاً، فلما كان الأمر بالضد من ذلك؛ علمنا أنها ليست من قضائه، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ}⁣[غافر: ٢٠]، والمعاصي لا تكون حقاً، وهذه الدلالة هي التي نبَّه عليها بقوله: (فانظر إلى مخارج الأقوال): يريد؛ النظر في وجوب الرضى بقضاء الله، ووجب السخط للمعاصي، ولا يجب الرضى بشيءٍ والسخط له في حالة واحدة، وذلك أظهر دليل على أنها ليست بقضائه سبحانه.

(القول في تكليف ما لا يطاق)

  [٢٣]

  وَكَلَّفَ العَبدَ دُوَيْنَ الطَّاقَهْ ... وحَلَّ إذ كلَّفَهُ وِثَاقَهْ

  إذْ صار لا تَجْرِيْ عليهِ الفَاقَهْ ... ولَم يُرِدْ سُبْحَانَهُ إرهَاقَهْ

  جَلَّ فما أَرْحَمَهُ من وَالِي

  هذا هو الكلام في أنه تعالى لا يكلّف أحداً من عباده ما لا يطيق، والخلاف فيه مع المجبرة.

  ومذهبنا في هذه المسألة: أن الله - تعالى - لا يكلف أحداً من عباده ما لا يطيق؛ بل لا يكلفه كل ما يطيق؛ لأنه قد كلف دون ما نستطيع لجوده وكرمه.

  قوله: (وكلّف العبد دوين الطاقة): لأنَّا نعلم أنَّا تعبدنا من جميع أنواع التعبد بما في وسعنا أضعافه، والطاقة والإستطاعة معناهما واحد.

  قوله: (وحل إذ كلفه وثاقه): يقول إنه تعالى مكنه من فعل ما تعبده به، ليكون مختاراً في فعله، فيستحق الثواب والمدح بفعله، والعقاب والذم بتركه، ولولا تقديمه للقدرة عليه لم يستحق شيئاً من ذلك؛ خلافاً لما تذهب إليه المجبرة؛ لأنهم يقولون إن الله تعالى تعبده بأمر لا يدخل تحت مقدوره، ولا يجد إلى فعله سبيلاً؛ وقد أبطل الله - تعالى - قولهم بقوله: