(مسألة الإمتحان)
  وقد أجمع أهل هذه المقالات على اختلافهم أن ما يحصل في العالم من الأمراض والأسقام لا تضاف إلى الله - تعالى - بل يجب نفيها عنه، ولم يحملهم على هذه المذاهب الفاسدة الخارجة عن الإسلام إلا جهلهم بالله - سبحانه -، وإنكارهم للآخرة وما أعد فيها سبحانه للمطيعين والممتحَنين، وأن ما نقص في الدنيا وزاد في الآخرة خير مما زاد في الدنيا ونقص في الآخرة، فلما جهلوا ذلك طلبوا لهذه الحوادث عللاً، ونفوها عن الحكيم - تعالى -.
  والذي يدل على بطلان قول أهل هذه المقالات جميعاً: أن هذه الإمتحانات حوادث، والثاني: أنه لا بد للمُحدَث من مُحدِث.
  فالذي يدل على أنها حوادث: [أن(١)] لوجودها أولاً، وذلك معنى المحدَث بلا خلاف، أما أن لوجودها أول فذلك معلوم لنا بالمشاهدة في غيرنا، وبما نعلمه من نفوسنا؛ لأنَّا نعلم عند حصول الألم فينا وفي غيرنا حدوث أمر لم يكن، وهذا عام لجميع الإمتحانات.
  والذي يدل على أن المحدَث لا بدَّ له من مُحدِث: قد تقدم في إثبات الصانع - سبحانه - بما لا سبيل إلى دفعه فلا وجه لإعادته.
[بيان عَجْزِ القادرين بقُدْرة عن حصول الإمتحانات من جهتهم]
  فإن قيل: ما أنكرتم من حصول هذه الإمتحانات من جهة القادرين بقدرة؟.
  قلنا: أنكرنا ذلك؛ لأنها لا تدخل تحت إمكانهم، ولا تحصل بسبب إرادتهم، ولا تنتفي بحسب كراهتهم، وتلك خواص أفعالهم؛ ولأنهم لو قدروا عليها، لقدروا على أضدادها، خلافاً لما ذهبت إليه المجبرة، ومعلوم أنهم لايقدرون على أضدادها.
(١) زيادة من نخ (ن، م).