شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(مسألة الإمتحان)

صفحة 167 - الجزء 1

  ألا ترى أن السجدة قد تكون كفراً، كأن تقع لغير الله - تعالى -، وقد تكون طاعة كأن تقع لله - تعالى -، والصورة في الحالتين واحدة؟!.

  وكذلك ضرب الإنسان لرقبة الغير قد يكون قبيحاً بأن يقع عدواناً، وقد يكون حسناً بأن يقع قصاصاً أو بأمر إمام الحق، فهذا فعل واحد ضرر في جميع الحالات، حَسُن لوقوعه على وجه، وقَبُح لوقوعه على وجه آخر.

  وقد يكون ضرب العنق لمن لا يستحق العقاب، ويكون حسناً يجب أن يعوضه الله عليه، وذلك في رجل يقتل مسلماً متعمداً ثم يندم على فعله ويتوب إلى ربِّه فيُقِيدُ نفسه إلى أولياء القتيل فإنهم بالخيار إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا اتدَّوا⁣(⁣١)، فإذا ضربوا عنقه كان ذلك الضرب حسناً، لولا حسنه لوجب إنكاره، ومنعهم عند القدرة منه، ومعلوم عن جميع الأمة خلافه؛ بل يجب الرضى به، فإن أنكره منكر كان من الجاهلين.

  وكذلك الألم قد يكون من ضرب الظلمة فيكون قبيحاً، وقد يكون من الله - تعالى - للإعتبار والعوض فيكون حسناً، وهو ألم في الحالين، فقد رأيت دخول الخلاف لمن ذكرنا تحت ما تقدم ذكره، فالكلام عليهم يأتي على القولين جميعاً.

[إبطال مذهب الثنوية في مسألة الإمتحانات]

  فأما أهل النور والظلمة من الديصانية والمانوية فقد أطبقوا مع إختلافهم في فروع لهم في صفة الظلمة خاصة، على أن النور يفعل الخير بطبعه ولا يصح منه الشر أبداً، وأن الظلمة تفعل الشرّ بطبعها ولا يصح منها الخير أصلاً، وهذا غفلة؛ لأن فاعل الخير لا يمتنع عليه فعل الشر شاهداً ولا غائباً، ولسنا نحتج عليهم بالقرآن لأنهم ينكرونه، وإلا فقد صرح تعالى بذلك في قوله: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}⁣[الأنبياء: ٣٥]، وبقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}⁣[الأنعام: ١٧]، إلى غير ذلك.


(١) أي أخذوا الدية.