شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(مسألة الإمتحان)

صفحة 177 - الجزء 1

  ولذلك قال الملحد في مسألته لجدنا ترجمان الدين # (أخبرني كيف يكون حكيماً من خلق خلقاً ثم آلمه بأنواع الآلام، وامتحنه بضروب من الإمتحان، أخبرني عن وجه الحكمة في ذلك من الشاهد نريد واضرب مثلاً فيما أشاهد أن الألم يكون حسناً؟

  قال القاسم #: وجه الحكمة في ذلك من الشاهد: أنا رأينا من الآلام في الشاهد ما هو إحسان أو داعي إلى الإحسان، من ذلك ضرب المؤدبين للصبيان، ومنه الفصد والحجامة، وشرب الأدوية الكريهة، كل ذلك إحسان وداعي إلى إحسان، وكل ما هو كريه من قبل الله - تعالى - مثل الموت والمرض والعذاب وغيره؛ فحسن في الصنع، وصواب في التدبير⁣(⁣١)) فصرح # بما ذهبنا إليه من حسن الآلام، وأنها من قبل الله.

  ونبّه بالمثال أنها تحسن للنفع كما يحسن شرب الدواء الكريه لنفع العافية ودفع ضرر الألم كما يدفع بالإعتبار ضرر ألم عقاب الآخرة، فلما صرح # للملحدة بذلك، قال له: فما الحكمة فيه كما ذكرنا في الإعتراض قبل ذكر قوله # فأجابه # بأن تبيين وجه الحكمة في ذلك لا يلزم بقوله، ولو لم يعلم علل


= النبوة، وحسن الإبتلاء من الحكيم وغير ذلك من المسائل العويصة، التي يعجز عن الجواب عنها العلماء.

ولذلك فإن الملحد لما سمع جوابات القاسم # وحسن محاوراته، وإبطال شبه ذلك الملحد بالأدلة العقلية، الواضحة الجلية، التي لا يمكن ردها أو إنكارها. قال عند ذلك - ذلك الملحد - (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن كل ما جاء به حق، وتَعستْ أمّة ضلّت عن مثلك)، وأسلم وحسن إسلامه.

(١) ثم قال الملحد بعد ذلك: ما الدليل على أن ذلك داعيه إلى الإحسان؟

قال الإمام القاسم #: لأنه فعل الحكيم، والحكيم إنما يفعل هذه الأشياء التي هي ترغيب في السلامة والصحة والخير، والترهيب من الغم والشر والسقم، ومن رغَّب في الخير فحكيم فيما نعرفه.