شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(مسألة الإمتحان)

صفحة 176 - الجزء 1

  وأما الذي يدل على أنها حسنة: فلأنها أفعال الحكيم الغني على الإطلاق، والحكيم الغني على الإطلاق لا يفعل إلا الحسن.

[بيان وجه الحكمة في الآلام]

  فإن قيل: فما وجه الحكمة فيه مع أنه ألم ومضره؟.

  قلنا: لا يلزمنا تبيين ذلك كما قال جدنا العالم القاسم بن إبراهيم ~ للملحد⁣(⁣١)، وقد سأله عن مثل ذلك؛ لأن مذهب الملحدة كما بينا، أولاً على اختلاف طبقاتهم التي ذكرناها لا يختلفون في نفي الآلام والإمتحانات عن الله - تعالى -.


(١) جواب الإمام القاسم بن إبراهيم # على الملحد، فيه ما يبهر الألباب، وتخر مذعنة له الرقاب، ويشهد بصحته مقتضى العقل وواضح السنة والكتاب، وفيه ما يدل على غزارة علم الإمام القاسم ~.

وقد قيل: إن ذلك الملحد كان في مصر، وكان يحضر مجالس فقهائها ومتكلميها ويسألهم عن مسائل الملحدين، وكان بعضهم يجيب عنها جواباً ركيكاً، وبعضهم يزجره ويشتمه. فبلغ خبره القاسم بن إبراهيم #، وكان بمصر مستخفياً في بعض البيوت، فبعث صاحب منزله ليحضره عنده، فلما دخل عليه قال له القاسم ¥: إنه بلغني أنك تعرضت لنا، وسألت أهل نحلتنا عن مسائلك، ترجو أن تصد أغمارهم بحبائلك، حين رأيت ضعف علمائهم عن القيام بحجج الله، والذب عن دينه، ونطقت على لسان شيطان رجيم لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً.

قال الملحد: أما إذا عبت أولئك فإني سائلك وممتحنك، فإن أجبت عنهم فأنت زعيمهم، وإلا فأنت إذاً مثلهم.

فقال الإمام القاسم: سل عما بدا لك وأحسِن الإستماع، وعليك بالنصفة، وإياك والظلم ومكابرة العيان، ودفع الضروريات والمعقولات، أجبك عنه، وبالله أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعم الوكيل:

ثم دار بينهم ذلك الحوار، وأورد عليه الملحد من الأسئلة ما يدل على شدة تزندقه وإلحاده، ويجيب عليه الإمام القاسم بما يشهد بغزارة علمه وشدة فهمه ومعرفته بالله معرفة صادقة حتى أن الملحد سأله عما يقرب عن إثنان وأربعين مسألة في شتى مجالات الأصول في خلق العلم وحدوثه، وإثبات حكمة صانعه، وعدم تأثير العلة ونحوها في إيجاد شيء من العالم، وفي توحيده وعدله وصدق وعده ووعيده، وإثبات =