(الكلام في أن محمدا ÷ نبي مرسل)
[بيان أن النبوة مَنٌّ من الله تعالى وتفضل وليست بجزاء على العمل]
  وهذا ينفي أن يكون اختصه بذلك لشيءٍ من فعله كما قالت اليهود وغيرها من فرق الكفر بأن الله - تعالى - لم ينزل عليه القرآن، حتى قالوا: {مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٩١]، فأكذبهم سبحانه بقوله: {مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ}[الأنعام: ٩١]، إلى غير ذلك من أدلة نزوله وأنه من عنده.
  وكان من قولهم: إن الله - سبحانه - لم يمن عليه بذلك ولم يفضله به ابتداء على جميع خلقه، فقال سبحانه منبهاً لكل عاقل متأمل منهم ومن غيرهم بأنه المتولي لتفضيل بعض خلقه على بعض حتى الأنبياء $ فقال، لا شريك له، مصرحاً بما قلنا تصريحاً: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ٥٥}[الإسراء]، إلى غير ذلك من آيات الكتاب الكريم.
  قالوا: وإنما كان ذلك له - عليه وآله السلام - بحيلته وحسن تدبيره حتى صار رئيساً مُطَاعاً.
  والكلام عليهم من طريق العقل: أن الحيلة لا تأثير لها في ظهور المعجزات، وخرق العادات، سيما وقد أكد ذلك سبحانه وأكد بهم بقوله له - عليه وآله السلام - مذكراً له نعمته عليه وآمراً له بذكرها ونشرها: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ٦ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ٧}[الضحى]، وضلاله - عليه وآله السلام - ها هنا قلة علمه بالشرائع والتكاليف الشرعية فهداه إليها ودله عليها، لا ما يقوله المبطلون ويتأوله الجاهلون، {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ٨}[الضحى] المراد بذلك الزهد في الدنيا، والقنوع بالطفيف من الأشياء، وقد قيل أغناه بمال خديجة بنت خويلد (^).
  وقولنا: أحب إلينا، فلم تكن عينه ÷ تمتد إلى شيءٍ من متاع الدنيا، ولا ينافس إلا أهل التقوى، حتى روي عنه ÷ أنه ما ذكر الله عنده ذاكرٌ إلا ذاكره - عليه وآله السلام - حتى يكون آخرهما بالله عهداً.