(مسألة الشفاعة)
  فَخُلِّدُوا في حِلَقِ الأنكالِ
[الكلام في أمر الشفاعة لمن تكون يوم القيامة]
  هذا هو الكلام في أمر شفاعة النبي ÷ لمن تكون يوم القيامة.
  فذهب أهل الجبر إلى أنها تكون لأهل الكبائر من هذه الأمة، ورووا في ذلك أخباراً عن النبي ÷ لا تنتهي إلى ثقات، وصريح الكتاب الكريم معترض لها جميعاً، وهي بالإطراح أو التأويل أولى، وفي مقابلتها أخبار تنقضها، رواتها من سادات العلماء؛ فهي لذلك أقوى.
  وذهب أهل العدل على طبقاتهم إلى أنها - أعني شفاعة النبي ÷ - لا تكون لمن يستحق النار من الفساق والكفار، ولم ينكر أحد من جميع الأمة والأئمة $ الشفاعة، وكيف وقد ظهر قوله ÷: «من كذب بالشفاعة لم ينلها»(١)، وإن حدث قول بغير ذلك كان خارقاً للإجماع وذلك لا يجوز.
  فإن قيل: فلمن تكون الشفاعة على هذا إن قلتم تكون للعصاة هدمتم قاعدة كلامكم أولاً، وإن قلتم للمؤمنين فلا نجد لها معنى؛ لأنهم بما استحقوا من الثواب أغنياء؟.
  قلنا: الأمر فيما ذهبنا إليه [واضح(٢)] جداً، لأنَّا نعلم أن الله - تعالى - قد وعد نبيئه ÷ أن يبعثه مقاماً محموداً يتميز به على سائر الأنبياء $ وذلك لا يكون إلا بأن يبعثه شافعاً مشفعاً، والشفاعة كما تحسن في حق الفقراء تحسن في حق الأغنياء، ألا ترى أنه كما يقال: يشفع فلان إلى الملك في إغناء فقيرٍ، أو فك
(١) أخرجه في مسند الشهاب (١/ ٢٤٨) رقم (٣٩٩).
(٢) غير موجود في النسخ.