(الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
  ولا يعذر عن التخلف عنه، والحال هذه، أحد إلا من عَذَرَه، ومن عَذَرَهُ وسعه التخلف، واللحاق أفضل بكثير، وقد فعل فعله كثير من أهل بيت النبوءة $ ذكرهم يخرجنا عما نحن بصدده.
  وخامسها: أن يعلم أو يغلب في ظنه أن ذلك الفاعل للمنكر، التارك للمعروف، ممن لم يعاهد على الإقرار على منكره وتركِ ما هو معروف عند غيره كاليهود وسائر أهل الذمَّة؛ فإنهم عوهدوا على أنهم يودعون(١) وفعلِ ما يستحلون في شريعتهم، وإن كان عندنا منكراً كشرب الخمر وما شاكله، وتركِ ما لا يعتقدون وجوبه في شريعتهم كصلاتنا وصيامنا وما شاكل ذلك، وأن ذلك الفعل منكر من ذلك الفاعل إذ لا يقبح منه من الأمور المختلف فيها إلا ما يعلم قبحه أو يغلب في ظنه لفتوى من يرجع إليه من المفتين؛ إلا الإمام فله الإعتراض في مثل ذلك، فمتى حصلت هذه الشرائط وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومتى عدمت أو عدم بعضها سقط ذلك.
  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ١٠٤}[آل عمران].
  ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن هذا أمر من الله - سبحانه - والأمر يقتضي الوجوب، وهذه الدلالة مبنية على أصلين:
  أحدهما: أن هذا أمر من الله - سبحانه - والثاني: أن الأمر يقتضي الوجوب.
  أما الأول، وهو أن هذا أمر: فلأنه أحد صيغتي الأمر التي قدمنا وفيه شرطه؛ لأنه صيغة لتفعل على جهة الإستعلاء، والدليل على مقارنة الإرادة لهذا اللفظ تعقيبه بالمدح لفاعل مقتضاه، فلولا إرادته له لما مدح فاعله، وذلك دلالة الإرادة عند كل متأمل من العقلاء، ولأنَّا قد علمنا أن المعروف حسن، والمنكر قبيح، والإرادة فعل من أفعاله
(١) يودعون بمعنى: يخلى بينهم وبين فعل ما يستحلون.