شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

(يتلوه الكلام في أن الإمامة في أولادهما وأنها مقصورة عليهم)

صفحة 282 - الجزء 1

  يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}⁣[النمل: ٦٥]، فنفى بذلك علم الغيب عن غيره، وأمر نبيئه بالإعتراف بالقصور عن نيل ذلك، وهو - عليه وآله السلام - أعلى من الأئمة؛ فقال عز من قائل: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ}⁣[الأعراف: ١٨٨]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ٣٤}⁣[لقمان].

  والإمام نفس منفوسة بالإجماع وغيره من الأدلة، فلو علم الغيب لعلم ذلك؛ ولأنه لو علم لذاته وهو جسم؛ وجب في كل جسم أن يعلم جميع المعلومات؛ فكان يجب ذلك لنا، ومعلوم خلافه.

  فإن قيل: إنا نريد بذلك أن الله - تعالى - خلقه عالماً بجميع المعلومات؟

  قلنا: ذلك مستحيل؛ لأنه إذا استحال علمه لذاته؛ كان لا بد من أمر لأجله علم وإلا بطل كونه عالماً، وليس ذلك إلا العلم من قبل الباريء - تعالى - الذي يحله منه أين شاء، ولا يصح علمه بجميع المعلومات حتى يُوجِدَ سبحانه وتعالى فيه من العلوم ما لا يتناهى، لاستحالة تعلق العلم الواحد في الوقت الواحد على جهة التفصيل بأكثر من معلوم واحد⁣(⁣١)، فلو وجب مثل ذلك له وجب لنا.

  وإيجاد ما لا نهاية له محال يعلم ذلك جميع العلماء؛ بل عند الكشف جميع العقلاء، وكان يلزم أن لا يخرج عن العلم ما دام موجوداً، فيكون عالماً في حال منامه وموته، وعالماً من جميع جوانبه، وقد علمنا أن بعض أعضائه يقطع كاليد والرجل، وعلمه في الحالات على سواء، وقد علمنا أن من جوز كون الميتِ في حال موته، والنائمِ في حال


(١) فلا يتعلّق العلم بالجسم في كونه ساكناً متحركاً في حالة واحدة فهو محال، فلا يتعلق به العلم إلا على صفة واحدة في وقت واحد إما متحركاً أو ساكناً، فلا يقال: علم محمد الجسم متحركاً ساكناً في حالة واحدة. والله أعلم.