(باب القول في الوعد والوعيد)
  قلنا: ويجب أن يكون عالماً؛ لأنه مراد لحل المشكلات، وفصل الخصومات، وتنفيذ الأحكام الشرعية التي تتعرى عن الأمور الملتبسة، ولا يحصل له العلم ولا الظن بجواز الإقدام على أكثرها فضلاً عن وجوب مظانها إلا بالعلم.
  ومن ذلك الفضل، وإنما اعتبرنا كونه فاضلاً؛ لأن الصحابة أجمعوا على طلب الأفضل للإمامة، مع إختلافهم في عينه حتى أن أبا عبيدة نهر عمر لما طلب مبايعته وقال: (تطلب هذا مني بحضرة أبي بكر)؛ لإعتقاده أن أبا بكر أفضل منه، بمحضر الكافة، فلم ينكر عليه أحد توجيه فرض الإمامة إلى الأفضل.
  وكان أمير المؤمنين ~ يذكر فضائله في مقامات المجادلة منبهاً لهم على أنه أولى بالإمامة لمكان الفضل، فثبت أنه مما يجب اعتباره.
  واعتبرنا الورع: لأن معناه الكف عن المحرمات، والقيام بالواجبات، والإمام مراد لجمع الأموال، وإقامة الحدود، وإنفاذ أحكام الله - تعالى - في عباده وبلاده.
  فإن لم يكن فيه ورع يحجزه عن ارتكاب المحظورات، وترك الواجبات، لم يأمن أن يرتكب المحظورات، ويخل بالواجبات، لغرض من الأغراض فيعود على المراد منه بالنقض.
  واعتبرنا السخاء: لأنه ما لم يكن سخياً لم يأمن من أن يمنعه البخل من صرف أموال الله - سبحانه وتعالى - في مستحقها.
  ومنع الحقوق محظور، والإقدام على ذلك ينقض الورعَ، الذي قضينا بوجوب إعتباره، والفضلَ الذي حكينا الإجماع على مراعاته.
  واعتبرنا الشجاعة: لأن مدار الإمامة مبني عليها، فاعتبارها أولى، إذ الحقوق لا تستوفى، والحدود لا تقام، والواجبات لا تفعل، والمحظورات لا تترك في الأغلب من الأوقات من الأكثر من الناس إلا بالجد والشدة والقتل والقتال، فما(١) لم يكن شجاعاً لم يأمن أن يمنعه الجبن؛ الذي هو الخوف، من القيام بأكثر ذلك، ويحمله - أيضاً - على
(١) (ما): إسم موصول بمعنى الذي، تمت.