(باب القول في الوعد والوعيد)
  وصدق الله العظيم، ونحن على صدقه من الشاهدين، وله من الحامدين العابدين، أن من أضاف الرزق إلى غيره لأحد من المخلوقين فقد لج في العتو والنفور، وتمادى في الضلال والفجور، وكيف يسوغ ذلك، وهو عز من قائل يقول: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ٣٢ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ٣٣ وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ٣٤}[ابراهيم: ].
  فهذه، كما ترى، نصوص تنتهي بمن ردها وأنكرها إلى الإلحاد، وبهذه العلة قضينا بردة الباطنية؛ لأنهم أنكروا ظواهر الكتاب، و حملوها على ما لا يجوز حملها عليه، وينبغي للعاقل أن يتجنب مزالق الشيطان؛ لأن الله - تعالى - ذكر في هذه الآية نعمه على الكافرين الظالمين مجملة ومفصلة، فأجملها في موضعين:
  أحدهما: قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[ابراهيم: ٣٤].
  والثاني: في قوله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}[ابراهيم: ٣٤].
  وفصلها في قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ}[ابراهيم: ٣٢]، فصرح بأنه لهم، تصريحاً لا مساغ للتأويل فيه؛ لأنه قد قيَّده بقرينة ذكره في أول الاية: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[ابراهيم: ٣٢]، فكما لا يجوز تأويل ذلك لأحد ممن يريد البقاء على الإسلام على أن الله - تعالى - لم يخلق السماء والأرض، كذلك هذا.
  ثم ذكر منته بخلق الفلك وسيرها بالريح، التي لا يقدر على إنشاءها غيره، وقد صرح بذكر ذلك في قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ}[الشورى: ٣٣]، يريد؛ ظهر البحر.
  ثم أعقب ذلك بذكر نعمته بالشمس وما حصل فيها من المصالح للعباد، والبلاد، والشجر، والدواب.