شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر بعض الأمور التي يقع فيها الحسد]

صفحة 315 - الجزء 1

  {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٣}⁣[الإنسان]، وقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ٥٣}⁣[الأنعام]، وخالف ما علم من دين النبي ÷ ضرورة، وهذا جهل.

  والجهل الثاني: أن يعتقد أن وصول الخيرات إليه دلالة الرضى عليه، و أن أمره لو كان عند الله مثل ما هو عندنا لما أوصل إليه ما وصل، وهذا كما ترى جهل.

  وقد نبَّه على ذلك أمير المؤمنين ~ فيما يروى عنه في (نهج البلاغة⁣(⁣١)) من قوله: (فلا تعتبروا الرضى والسخط بالمال والولد جهلاً بمواضع الحكمة، ومواقع التدبير، قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ ٥٦}⁣[المؤمنون]).

  فأخبر أن المال والبنين الواصلين إليهم من الله - سبحانه وتعالى - وأن ذلك لا لمنزلة لهم عند الله، ولا مسارعة في الخيرات الخالصة، وإنما ذلك لإكمال حججه، وإظهار نعمه، إن شكروها أعطُوا أجر الشاكرين، وإن كفروها لحقهم عقوبة الكافرين.

  وقد نبَّه - أيضاً - أمير المؤمنين # على مثل قولنا مما روي عنه من قوله: (وتأمل عند إعراضك عنه إقباله عليك، يتغمدك بإحسانه وأنت مصر على عصيانه، فو أيم الله لو أن هذا في متماثلين في القوة، متساويين في القدرة، لكنت أول حاكم على نفسك بقبح العشرة).

  ثم ذكر أمر (الخلقة)، وهي الصورة لا فرق في ذلك ولا شك في أن الله - تعالى - يخلق ما يشاء، ويصور عباده في الأرحام كيف يشاء، وقد صرح بهذا اللفظ في كتابه العزيز، فإذا أعطى عبداً من عباده جَمالاً، وكمالاً، وصورة فائقة؛ كما فعل ذلك لكثير من خلقه، لم يحسن لأحد حسده، ولا الإعتراض عليه بقوله: لم لم يخلقه كذلك؟ ولا يحسن منه الخروج إلى دائرة الكفر بنفي ذلك الفعل الذي لا يقدر عليه غيره عنه تعالى؛ بل يجب


(١) نهج البلاغة في الخطبة القاصعة ٤٠٠.