[الكلام في فائدة الإبتلاء بالقليل والكثير]
  أعاد في هذا البيت الكلام في معنى التقليل والتكثير وفائدته، وأن ذلك لغرض يعود على المكلفين لا عليه تعالى، وهو التعريض لهم للثواب، فقد عرض سبحانه الجميع، عرض أهل القليل للصَّبر ليعطيهم أجر الصابرين، وأهل الكثير للشكر ليوصل إليهم ثواب الشاكرين.
  وأجر الصبر أعظم من أجر الشكر، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ١٠}[الزمر]، ولا بد فيه - أيضاً - من العوض مع هذا الأجر العظيم، فالعوض يكون في مقابلة فعل الله، وهو الإبتلاء بالفقر، والثواب في مقابلة فعل العبد، وهو الصبر عليه، فإذاً نفع الفقر أعظم من نفع الغنى، ولهذا إختار أكثر الأنبياء الفقر على الغنى؛ كما نعلمه من كثير منهم À عامة، ومن نبيئنا ÷ خاصة، فقد روينا عنه في قصة ثعلبة بن حاطب، لما سأله أن يسأل الله - تعالى - له الغنى، فقال - عليه وآله السلام -: «يا ثعلبة إتق الله، فإني لو سألت الله أن يسيل لي الجبال ذهباً وفضَّة لفعل» والقصة طويلة(١).
(١) تمام القصة برواية الإمام المنصور بالله #: فقال: والله يارسول الله لئن رزقني الله مالاً لأصلنّ الرحم، ولأوتينّ المسكين، ولأعطينّ السائل، ولآتينّ حق الله، فقال ÷: «اللهم ارزق ثعلبة، اللهم ارزق ثعلبة، اللهم ارزق ثعلبة مالاً» فاتخذ غنماً فنمت كما تنمو الدود حتى ضاقت بها المدينة، فنزل وادياً بها، فجعل يصلي الظهر ويترك ما سواها، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلاة إلا الجمعة، ثم ترك الجمعة، وطفق يتلقى الركبان يسأل عن الأخبار، وسأل رسول الله ÷ فأخبر بخبره، فقال: يا ويل ثعلبة ونزل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣]، فبعث إليه رجلين، فقال: مرا عليه فخذا صدقاته، فعند ذلك قال لهما: ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية، فلم ندفع الصدقة، فأنزل الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ}[التوبة: ٧٥]، فقيل له: قد أنزل الله فيك كذا وكذا، وسأله أن يقبل صدقته، فقال: إن الله منعني من قبول ذلك، فجعل يحثو على رأسه التراب، فقال ÷: «هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني» فرجع إلى منزله وقبض رسول الله ÷ ثم أتى أبا بكر بصدقته فلم يقبلها اقتداء برسول الله ÷ ثم لم يقبلها عمر ثم لم يقبلها عثمان، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان، انتهى من تفسير المصابيح لأهل البيت $ في تفسير سورة التوبة، في تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} ... إلخ عن المنصور بالله #.