[بيان أن فسق الفاسق لايسقط وجوب الرجوع إلى المهتدي]
  باصطفائه لهم مع أن فيهم الظالم لنفسه؛ لأنه علام الغيوب، وقد ذكره للبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فقد رأيت تهدُّم هذا السؤال من كل جانب بكلام الصادق الذي لا يجوز عليه الكذب ولا شيءٌ من القبيح كما قدمنا.
  ومن حيث فضلوا وجب عليهم من الإجتهاد في الطاعة أكثر مما وجب على غيرهم، وضوعف لهم الأجر، كما قدمنا، على الطاعة، وضوعف العقاب على المعصية، ولا يعلم بين أحد من علماء آل الرسول $، فيما قلنا، من مضاعفة الثواب لمطيعهم، والعقاب لعاصيهم إختلافاً.
  وفي ذلك ما روينا عن الناصر(١) للحق الحسن بن علي الملقب بالأطروش ~ في بعض مواعظه، في كلام فيه بعض الطول إنتهى فيه إلى أن قال: (وإن طريق الجنَّة خشن، وبالإجتهاد يبلغ إليها، إني لا أُمَنِّي(٢) نفسي ولا أخدعها بالأماني، ولا أطمع أن أنال الجنَّة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منَّا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دل على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسن هذه السنن(٣)، فنحن أولى الناس باتباعه، واقتفاء أثره، واحتذاء مثاله، والإقتداء به) هذا كلامه ~ فصرح بما ذكرنا من مضاعفة العقاب، وليس إلا لما ذكرنا من الإختصاص الذي يجب شكره، ولا يسع كفره، ولهذا قلنا إن واحدهم $ متَعَبَّدٌ بما لم يتعبَّد به واحد غيرهم من منابذة الظالمين، ومقاتلة الفاسقين، وتجييش الجيوش، وأخذ الأموال ممن وجبت عليه طوعاً وكرهاً، وتعليم الناس معالم الدين، إلى غير ذلك من أعمال الإمامة التي قدمنا ذكرها، وواحد غيرهم إذا انتهى في الفضل تعبد بتعليم ما بينهم دون غيره.
(١) ستأتي ترجمته قريباً إن شاء الله تعالى، وقد روى هذا الكلام عنه الإمام أبوطالب في الأمالي ص (٢٠١).
(٢) في الأمالي: إني لا أغُرُّ نفسي.
(٣) في الأمالي زيادة: الأحكام.