[بيان أن التفضيل مهواة دحضت فيها قدم إبليس لعنه الله]
  لا يسعه كفره من تفضيله له على الحمار وعلى غيره من الحيوان، ولهذا يجب عليه الشكر كما يجب علينا الشكر لتفضيل الله لنا على كافة البشر بولادة النبيء ÷، وفرضه لمودتنا على كافة عباده، واستخلافه لنا في بلاده، وبيَّن ذلك في القافية بأن المماثلة في وجه مخصوص لا توجب المماثلة في كل وجه.
  ألا ترى أن الذهب والرصاص قد اشتركا في الجسمانية، وهو أن كل واحد منهما طويل عريض عميق، يشغل الحيز عند الوجود، واختص الذهب بخواص من فعال الله - تعالى - منها: أن النار لا تنقصه، وأن التراب لا يبليه، وأن الله حببه إلى عباده، وجعله مفتاحاً لكثير من حاجاتهم، وأحل به الفروج، وأسقط به الدماء، إلى غير ذلك، والرصاص لا يبلغ تلك الرتبة وإن كان له نصيب من النفع، كذلك أنت أيها المخالف، الطالب، مماثلة العترة الطاهرة بزعمك بما ذكرت من الوجوه الفاتحة باب الجهالات وإن أنعم الله عليك بشيءٍ من نعمه، فإن من شُكْرِها أن لا تنكر تفضيله لما فضل من خلقه إبتداءً، ولمن فضل.
[بيان أن التفضيل مهواة دحضت فيها قدم إبليس لعنه الله]
  واعلم؛ أن هذه مهواة، دحضت فيها قدم إبليس - عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين من الملائكة والناس أجمعين - وذلك أنه أنكر تفضيل الله - تعالى - لآدم ~ إبتداءً، وهذا كفر، إعتقد أنه أفضل منه؛ لأنه خلق من النار وآدم # خلق من الأرض، وهذا جهل.
  أمَّا أن إنكاره كفر: فلأنه أوجب على الله أن لا يفضل بعض خلقه على بعض، فكفر لأجل ذلك، ثم أضاف إلى هذا الكفر جهلاً آخر وهو أن النار أفضل من الأرض، والنار وإن اختصت بنوع من الخواص، أو نوعين أو ما يزيد على ذلك قليلاً من النفع، فليس فيها ما في الأرض من الخواص، والمنافع الجليلة الأخطار، والدلائل على الواحد الجبَّار؛ لأن الأرض مسجد أنبياء الله، ومتجر عباده، ومهبط وحيه، وميدان السباق إلى رحمته.
  ومنها: الأنهار، والثمار، والأزهار الرائقة، والحدائق المبهجة الفائقة.