شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الإحتجاج على من جعل الفضل جزاء على العمل]

صفحة 365 - الجزء 1

  قوله: (إذ ذاك من شرط حقوق العمَّال): يقول: كل أجير لا يستحق الأجرة إلا بعد الفراغ من عمله، وذلك ظاهر في الشريعة، فلذلك ألزمناهم إياه، ثم عقب ذلك بأنه لو كان أجراً من قِبَلِ الله - تعالى - لما زال؛ لأن الأجر من قبله سبحانه - وتعالى - هو الثواب، والثواب يستحيل زواله لملازمته إستحقاق التعظيم وذلك لا يجوز.

  قوله: (ولم تشبه رائعات الزلزال): يقول: لم تختلط به المنغصات الرائعات من الخوف، والمحن، وتجدد التكليف بالشكر على المحبوب، والصبر على المكروه؛ لأن من حق الثواب أن يكون خالصاً من كل شائب كما وصفه الله - تعالى - في كتابه العزيز بقوله: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ٤٨}⁣[الحجر]، ومعلوم وجوب الشكر والتعبد على أهل الفضل في الدنيا، وخروجهم عن حق ما فضلهم به فيها.

  ولأنه لو فضلهم مكافأة على أعمالهم لم يخل ذلك من أحد أمرين:

  إمَّا أن يسقط عنهم شكره - تعالى - وذلك كفر بالإتفاق؛ لأن من أسقط الشكر عن أحد من الفاضلين مع بقاء التكليف فقد خالف ما علم من دين النبيء ÷ ضرورة.

  وإما أن يوجب عليهم الشكر على الثواب والأجر، وذلك باطل؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون الأجر من جملة البلوى، وذلك خارج عن قول أهل العلم، ولأن العبد الصَّالح سليمان ~ قد صرح بأن الذي خصه به ربُّه من الفضائل من جملة البلوى، ألا تسمع إلى ما حكى الله - تعالى - عنه من قوله: {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠}⁣[النمل].

  ولأن ذلك كان يؤدي إلى وجوب الشكر على أهل الجنَّة؛ لأن أكثر ما هم فيه ثواب بلا خلاف فكان يؤدي إلى أن التعبد لم ينقطع عنهم مشقةً بالموت، وخلاف ذلك معلوم من دين النبيء ÷ ضرورة.

  ولأنهم لو تعبدوا لم يخل الحال من أحد أمرين باطلين: