[بيان أن المساواة في التفضل لا تجب عقلا وإنما تجب في المستحق]
  وجب عليه المساواة لفعل ذلك، وقد علمت المخالفة منه تعالى بين خلقه عِند من أقر بأن للعالم صانعاً وذلك ظاهر في أمور كثيرة.
  منها: تفضيله سبحانه للرجال على النساء، وقد نطق بذلك كتابه العزيز في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء: ٣٤].
  وفضل الأحرار على المماليك، وقد نطق بذلك كتابه في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٧٥}[النحل]، وصدق الله العظيم، ونحن على صدقه من الشاهدين، وله من الحامدين العابدين، إذ المملوك لا يساوي الحر في شيءٍ ولا يتمكن من الإنفاق في السر والعلانية على الوجه المحمود مما حوت يده إلا بإذن سيده، والحر محمود على الإنفاق في جميع أحواله، ومثل ذلك لا يغبى إلاَّ على من عميت بصيرته.
  وتفضيل الله للمالك على المملوك ظاهر لا يفتقر إلى برهان، ولا ينكره قبل حدوث هذه المقالة من أهل الملك إنسان، وقد ألجأت الضرورة إلى تبيان البيِّن، وإيضاح الواضح، وترداد الأدلة، وتكرار أكثر الحجج، فنسأل الله التوفيق.
  فلو كانت المساواة على الله - تعالى - واجبة لما أخل بها؛ لأنه لا يخل بالواجب ولا يفعل القبيح، ولا يجوز السهو والغفلة عليه، ولا يغلب على مراده من فعله على كل حال، ولا من فعل غيره إذا أراد الإجبار ورفع التخيير، ومثل هذا لا يغبى على المميزين من العقلاء، فضلاً عن المستبصرين من العلماء، فقد وقع صاحب هذه المقالة في ورطة عظيمة؛ لأنه إن حرس مذهبه بالمكابرة وقال إن الله ساوى بين الذكر والأنثى إرتكب الرد لقوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}[آل عمران: ٣٦]، ومن رد قوله تعالى كفر، فلا مخلص له إلاَّ بالرجوع إلى الحق وترك التمادي في الباطل.