شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذكر وقعة الطف للحسين بن علي بن أبي طالب (ع)]

صفحة 470 - الجزء 1

  الدنيا قد تنكرت⁣(⁣١)، وأدبر معروفها، فلم يبق إلاَّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا ينهى عنه، ليرغب المرء في لقاء ربِّه، فإني لا أرى الموت إلاَّ سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا شقاوة) فقام إليه زهير بن القين العجلي⁣(⁣٢) ¦ فقال: (قد سمعت مقالتك هديت، ولو كانت الدنيا باقية وكنّا فيها مخلدين، وكان في الخروج مواساتك ونصرتك لاخترنا الخروج منها معك على الإقامة فيها)، فجزاه الحسين بن علي @ خيراً. ثم قال:

  سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى ... إذا ما نوى حقاً وجاهد مُسْلما

  وواسى الرجالَ الصالحين بنفسه ... وفارقَ مثبوراً وحارب مُجْرما

  فإن عشتُ لم أندمْ وإن متُّ لم أُلَمْ ... كفى بك داءً أن تعيشَ وتُرْغما

  فهذا، كما ترى، دلالة على أن الموت كان أحب الأمرين إليه في ذات الله - تعالى - وإن لم يخرج معه # إلاَّ من كانت نيته صادقة في نصرة آل محمد ÷، فلذلك قال:

  ما هَالَهُم عِنْدَ القتالِ الزحفُ ... بل شهروا أسيافَهُمْ واصطفُّوا

[بداية المعركة وخطبة الحسين (ع)]

  وذلك أن عمر بن سعد⁣(⁣٣) لما وافقهم في تلك العساكر الظالمة الكثيفة، ورتب عساكره مراتبها، وأقام الرايات في مواضعها، وعبَّأ أصحاب الميمنة والميسرة، وقال لأهل


(١) نخ (ن): مكرت.

(٢) زهير بن القين العجلي: كان من أصحاب الإمام الحسين بن علي #، ومن الشهداء الذين سقطوا شهداء بين يديه رعاية لحرمة الله وحرمة رسول الله ÷ الذين ضحوا بأنفسهم رخيصة في سبيل الله رحمة الله عليه وعلى إخوانه الذين قتلوا معه.

(٣) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني، تولى قيادة الجيوش الظالمة في قتل الحسين بن علي، =