شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام على أصحاب النجوم في نفي الصانع]

صفحة 68 - الجزء 1

  تأثيرها إلى أمر سوى الوجود، لأنها لو وجدت ولا أثر لها لم ينفصل وجودها عن عدمها وذلك محال، فما أدى إليه يجب أن يكون محالاً، والفاعل المختار بخلاف ذلك، لأنه قد يوجد وهو غير مختار للفعل لضرب من الصلاح فلا يفعل مع صحة وقوع الفعل منه، ويفعل المختلف والمتماثل والمتضاد لما يعلم من المصلحة.

[الكلام على أصحاب النجوم في نفي الصانع]

  وأما قول أهل النجوم فظاهر السقوط، لأن الصانع⁣(⁣١) واحد، والمؤثر واحد، والماء واحتراق الأسباب المتوهمة عندهم واحدة، ويختلف حال الحيوان والجماد من أكثر الوجوه، لأنا نعلم أن البعير أكبر من البقرة والشاة، ولا يأتي البعير في مجرى العادة بأكثر من ولد واحد، وقد يأتيان في بعض الحالات بإثنين مختلفين في الألوان والذكورة والأنوثة، والكلبة أصغر من الجميع فتأتي بسبعة وفوق ذلك ودونه فيهم الذكور والإناث، والأحياء والأموات، والبيض والسود، إلى غير ذلك من الإختلاف، والموجب واحد، والطالع واحد، وقد نبه الله - تعالى - على ذلك بقوله: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ٨}⁣[الرعد]، تغيض: تنقص، والزيادة معلومة، فسبحان مَنْ لا يشغله شأن عن شأن، ومَنْ علمه بما يكون كعلمه بما كان.

  ثم نبّه تعالى في أمر إختلاف النبات من الجمادات بقوله: {فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ٢٤ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ٢٥ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٢٦ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ٢٧ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ٢٨ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ٢٩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ٣٠ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ٣١ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٢}⁣[عبس]، فعم بالذكر سبحانه متاعنا ومتاع أنعامنا في هذه الألفاظ⁣(⁣٢) القليلة، الحلوة الجليلة، لأنه عم بقوله: {حَبًّا} جميع أنواع الحبوب، وبقوله:


(١) في نسخة: الطالع.

(٢) في (ن): ناقص: الألفاظ.