شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الكلام على أصحاب النجوم في نفي الصانع]

صفحة 69 - الجزء 1

  {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} جميع أنواع الأشجار المثمرة، وبقوله: {وَفَاكِهَةً} جميع الفواكه، لأنه نكر⁣(⁣١) واحد الجنس فاقتضى العموم، وكذلك (الأب) عمّ جميع متاع البهائم من الكلا والخلا، وخص (الزيتون والنخل والعنب) مما يختص بالآدميين لجلالة قدره، كما أعاد ذكرجبريل وميكائيل عقيب ذكر الملائكة؛ وإن كانا منهم لجلالة قدرهما، وذلك ظاهر في قوله سبحانه: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}⁣[البقرة: ٩٨]، وكذلك إعادته لذكر (القضب) مع أنه يعود في أصل اللغة إلى الأب لعظم حاله في نفع البهائم، وعجائب الكتاب الكريم وغرائبه لا تنقضي، فالحمد لله الذي جعلنا من ذرية نبيئه ÷، وورثة كتابه، وهدانا إلى معرفة علل الحكم وأسبابه، حمداً كثيراً.

  قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ٢٤}⁣[عبس]، معناه نظر القلب الذي هو الفكر، والنظر في عجائب الصنع؛ لأن النظر بالأعيان قد وقع من الكافة، وهو لحكمته لا يأمر بالواقع، ولعمري إن من أنعم النظر فيما ذكر سبحانه حصل له العلم به تعالى على أبلغ الوجوه، لأن الماء واحد، والأرض واحدة، والهواء واحد، والحبَّة واحدة، والتأثير في الحبَّة الواحدة مختلف، إذ بعضها يهبط إلى أسفل، وبعضها يصعد إلى أعلى، وبعضها قشر، وبعضها لُب، وبعضها ورق، وبعضها عمود، وبعضها غصن، وهي واحدة فيأتي منها أعداد أكثر منها يعسر حصرها لكثرتها، وربما اختلفت ألوانها، بل قد شاهد الكافة ذلك، ثم جميع ذلك يحصل في وقت بعد وقت، شيئاً بعد شيءٍ، والعلل موجودة عند من قال بها، والمعلول لا يجوز تراخيه عن علّته⁣(⁣٢) وإلا انتقض كونها علّة فيه، فحينئذٍ يضطر الناظر العاقل إلى إثبات الصانع، المختار، ونفي العلل.


(١) في (ن): ذكر.

(٢) عودة إلى مسائل الشريف نور الدين. ثانيها: عن العلة، قال في موضع: لا يجوز تراخي معلولها عنها، وفي موضع أوجب تقدمها عليه وإلا لم تكن علة؟ =