[الكلام في مسألة الأرزاق]
  فإن قلتم: معدوم.
  قلنا: ذلك محال؛ لأنا نعلم تعذر الفعل من العادم للقدرة مع وجود ذاته وحياته؛ كالمريض المدنف، فكيف بصحة الفعل مع عدم الذات؟!، هذا أبعد في العقول.
  وإن قلتم: إنه موجود.
  قلنا: لا يخلو ذلك الموجود، إما أن يكون لوجوده أول أو لا أول لوجوده، لأن الموجود لا بد له من أحد هذين الأمرين، فإن كان لا أول لوجوده وجب قدمه، لأنا لانريد بقولنا في الباريء - تعالى -: إنه قديم إلا أنه موجود لا أول لوجوده.
  فإن قلتم: إنه غير الباريء.
  وجب أن يكون ثانياً معه فستأتي الدلالة على نفي الثاني فيما بعد إن شاء الله تعالى.
  وإن قلتم: إنه الباريء.
  قلنا لكم: فهذه عبارة فاسدة لأن الباريء - سبحانه -، لا يسمى في اللغة والشرع والعرف طبعاً ولا إحالة، وكان الخلاف بيننا وبينكم في عبارة فارغة.
  وإن كان محدثاً فلا يخلو، إما أن يشغل الحيز عند حدوثه أو لا يشغله، فإن شغله فهو من قبيل الأجسام، وإن لم يشغله فهو من قبيل الأعراض، ولا يجوز أن يكون ما ذهبوا إليه من الطبع والإحالة جسماً، لأن الأجسام تنقسم إلى حيوان وجماد، والجماد لا يصح الفعل منه؛ لأنه ليس بحي ولا قادر، والفعل لا يصح إلا من حي قادر، ولا يجوز إضافة هذه الأرزاق من الناميات والمائعات والجامدات إلى جسم حي؛ لأنه لا يكون حياً إلا بحياة، ولا قادراً إلا بقدرة؛ لاستحالة أن يكون حياً وقادراً لذاته لأن ذلك من صفات القديم، سبحانه، التي يستحيل حصولها في غيره لما يأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى، والقادر بالقدرة لا يصح منه فعل الأجسام.
  ولا يجوز أن يكون الطبع والإحالة من قبيل الأعراض، لاستحالة صحة الفعل من الأعراض؛ لأن الفعل لا يصح إلا من حي قادر، ويستحيل أن يكون العرض حياً قادراً؛ لأنه لو كان حياً قادراً لم يحل في غيره، ولوجب أن تكون حياته لذاته، فيكون مثل الله