[الطرق الدالة على حدوث الأجسام]
  والذي يدل على بطلان ما ذهبوا إليه: أن الجسم قد أتى عليه الوجود، و إيجاد ما لا نهاية له محال؛ لأنه لا يخلو: إما أن يمكن عليه الزيادة أولا يمكن، فإن أمكنت الزيادة عليه فله نهاية بالإضطرار، وإن لم يمكن عليه الزيادة أدى إلى عجز الباريء - تعالى - وخروجه عن صفة ذاته وذلك باطل، وربما قال بهذه المقالة بعض المطرفية وهم لايعلمون ما يلزم عليها، وقد تقدم الكلام على القولين، وسبق أيضاً الإستدلال بالجسم وأحواله على الصَّانع تعالى.
[الأدلة على إبطال التقليد ووجوب النظر وكون الكثرة على الباطل]
  فإن قيل: ولم أوجبتم النظر ومنعتم من التقليد الذي هو أهون على النفوس، وعليه عامة الناس، وهو أقطع للحاج(١) حتى يكون إذا سألك الغير عن الدليل قلت: أنا على مذهب فلان وهو على الحق لا محالة قطعاً، ولم تُلْزِمْ نَفسَك مشقةَ الإتيان بالبرهان الذي ربما شغب فيه(٢)، أو كسر بعض أركانه، واحتجت إلى فكر بعيد، ونظر سديد؟
  قلنا؛ ولا قوة إلا بالله: كون أكثر الناس عليه دلالة على بطلانه لأن الله - سبحانه وتعالى - أخبرنا في كتابه الكريم بأن الأكثر من الناس على ضلالة بقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٧٠}[المؤمنون]، وقوله: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ}[الأعراف: ١٠٢]، وقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ١٠٣}[يوسف] {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ١٠٢}[الاعراف]، وقال ÷ لأصحابه: «ألا أنبئكم بأهل الجنة في أهل النار يوم القيامة؟، قالوا: بلى؛ يا رسول الله، قال: كشعرة سوداء في جلد ثور أبيض - أو شعرة بيضاء في جلد ثور أسود - وإن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه إلا رجل
(١) المراد بالحاج هنا هو: المحاجج والمجادل.
(٢) الشِغْبُ - ويحرك -: تهيج الشر، وشغب، كمَنَع وفَرِحَ: هيَّج الشر عليهم، وهو شَغِبٌ ومِشْغَبٌ. تمت قاموس.