شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الطرق الدالة على حدوث الأجسام]

صفحة 96 - الجزء 1

  والذي يدل على بطلان ما ذهبوا إليه: أن الجسم قد أتى عليه الوجود، و إيجاد ما لا نهاية له محال؛ لأنه لا يخلو: إما أن يمكن عليه الزيادة أولا يمكن، فإن أمكنت الزيادة عليه فله نهاية بالإضطرار، وإن لم يمكن عليه الزيادة أدى إلى عجز الباريء - تعالى - وخروجه عن صفة ذاته وذلك باطل، وربما قال بهذه المقالة بعض المطرفية وهم لايعلمون ما يلزم عليها، وقد تقدم الكلام على القولين، وسبق أيضاً الإستدلال بالجسم وأحواله على الصَّانع تعالى.

[الأدلة على إبطال التقليد ووجوب النظر وكون الكثرة على الباطل]

  فإن قيل: ولم أوجبتم النظر ومنعتم من التقليد الذي هو أهون على النفوس، وعليه عامة الناس، وهو أقطع للحاج⁣(⁣١) حتى يكون إذا سألك الغير عن الدليل قلت: أنا على مذهب فلان وهو على الحق لا محالة قطعاً، ولم تُلْزِمْ نَفسَك مشقةَ الإتيان بالبرهان الذي ربما شغب فيه⁣(⁣٢)، أو كسر بعض أركانه، واحتجت إلى فكر بعيد، ونظر سديد؟

  قلنا؛ ولا قوة إلا بالله: كون أكثر الناس عليه دلالة على بطلانه لأن الله - سبحانه وتعالى - أخبرنا في كتابه الكريم بأن الأكثر من الناس على ضلالة بقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٧٠}⁣[المؤمنون]، وقوله: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ}⁣[الأعراف: ١٠٢]، وقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ١٠٣}⁣[يوسف] {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ١٠٢}⁣[الاعراف]، وقال ÷ لأصحابه: «ألا أنبئكم بأهل الجنة في أهل النار يوم القيامة؟، قالوا: بلى؛ يا رسول الله، قال: كشعرة سوداء في جلد ثور أبيض - أو شعرة بيضاء في جلد ثور أسود - وإن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ما معه إلا رجل


(١) المراد بالحاج هنا هو: المحاجج والمجادل.

(٢) الشِغْبُ - ويحرك -: تهيج الشر، وشغب، كمَنَع وفَرِحَ: هيَّج الشر عليهم، وهو شَغِبٌ ومِشْغَبٌ. تمت قاموس.