[الطرق الدالة على حدوث الأجسام]
  واحد»(١)، وهذا كما ترى أكبر دليل على ضلالة الأكثر، ولو جعلتَ القلةَ دلالةَ الحقِّ لكنتَ أسعدَ حالاً؛ لأن الله - تعالى - قد مدح الأقلين في كتابه الكريم بقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ ١٣}[سبأ]، وقوله: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ٤٠}[هود: ٤٠]، وقوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[النساء: ٦٦].
  وأما كونه أقطع للحاج: فالحاج(٢) في إلتماس الحق أحمد عاقبة من المداهنة في الإقرار على الباطل.
  فأما الرجوع إلى قول: إنَّ فلاناً على الحق لكثرة عبادته؛ فذلك باطل، لأن في كل فرقة فلاناً عابداً، وذلك يؤدي إلى أحد باطلين:
  إما تصويب أهل الأقوال المختلفات، واعتقاد المتناقضات، وما أدى إلى الباطل فهو باطل.
  وإما الترفيه على النفس؛ فهذا الدين القويم مبنى الصحة فيه على المشقة من أوله إلى آخره، قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ٣}[العصر]، الحق ها هنا: هو العلم والعمل بمقتضاه، والصبر لا يكون إلا على المشاق فبطلت فائدة الترفيه على النفس.
  وأما التخويف بمشقة النظر: فقد ورد في الأثر «أن من دق في الدين نظره، جل يوم القيامة خطره».
(١) رواه الإمام أبو طالب ص (٤٤٢) بلفظ: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وسأحدثكم بقلة المسلمين من الكفار يوم القيامة مثلهم مثل شعرة سوداء في جلد ثور أبيض، أو شعرة بيضاء في جلد ثور أسود، ولن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة».
(٢) أي المحاجج، تمت.