[الكلام في أن الله - تعالى - عدل حكيم ليس في أفعاله ظلم ولا عبث ولا سفه ولا شيء من القبيح]
  وقد خالفنا في ذلك جميع فرق الكفر على طبقاتهم لأنهم قالوا: كلما كان فيه من الآيات، وظهر على يديه من الدلالات الباهرات، هو من صبره وتعلمه، وذكائه وحيلته، حتى استتبت له الأمور، وانقاد له الجمهور، وكان أشدهم في ذلك عناية اليهود (لعنهم الله تعالى) فقال الله - تعالى - رداً عليهم: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢٩}[الحديد]، وقال سبحانه في آية أخرى بعد ذكر نبوته - عليه وآله السلام - رداً على اليهود أيضاً: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢١}[الحديد]، ثم شبههم سبحانه بالحمر حاملة الأسفار وهي الكتب، واحدها سفر، لقلة التأمل لما فيها والإعتبار، والتيقظ والإزدجار.
  وسمّى سبحانه في آية أخرى النبوءة فضلاً بقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٥٤]، وهو لا يريد بالناس في هذه الآية إلا النبي ÷، وأمثال هذا كثيرة جداً نبهنا عليها، وهي ظاهرة ظهور الشمس في الكتاب العزيز - زاده الله شرفاً -
  قوله: (وجاء منه): الهاء في منه عائدة إلى العلي سبحانه.
  (معجز): والمعجز هو الذي يعجز الخلق عن الإتيان بمثله، وقد تقدم الكلام فيه، وهو يريد به ها هنا القرآن الكريم، وهو أجلى معجزات الأنبياء $، وإن كان فيها ما هو أبهر كخروج الناقة من حجر، وقلب العصا حيَّة، وفلق البحر، ونتق الجبل، إلى غير ذلك.
  وإنما قلنا هو أجلى: لأن معجزات الأنبياء $ لم تدم، وكانت تحدث في الحين بعد الحين، ثم لا تعود لهم للزوم الفرض لهم بالتقدم، وهذا القرآن الكريم باقٍ ما بقي الدهر لا يزداد على كثرة الترداد إلا جِدَةً، ملازم لأوقات التكليف، وتراجمته من